للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٨]، " أي من أشرك بالله فقد اختلق إِثماً عظيماً" (١).

قال مقاتل: " يقول: فقد قال ذنبا عظيما" (٢).

قال أبو هلال العسكري: " أصل الشرك: إضافة الشيء إلى مثله، ومنه قيل: شراكا النعل، لأن كل واحد منها يشبه الآخر، وشراك الطريق مشبه بشراك النعل، وأشرك بالله عبد معه غيره؛ لأنه أضافه إليه وشبهه به، والشرك في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأول: الإشراك بالله في العبادة، كقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}،

وقوله: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: ٧٢]، وقوله: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٣].

الثاني: قالوا: الشرك بمعنى الطاعة، قال اللَّه: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: ٢٢]، أي: أطعتموني.

الثالث: الربا علي ما جاء في التفسير، قال اللَّه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠]، أي: لا يرائي فيما نفعل من العبادة" (٣).

الفوائد:

١ - أنه ليس في الأعمال أخبث من الشرك بالله- عز وجل-، وانه أعظم وزر.

٢ - إن سائر الذنوب كبائرها وصغائرها قد يغفرها الله تعالى لمن شاء إلا الشرك، فلا يغفر لصاحبه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسّحر، وقَتْل النفسِ التي حرّم الله إلاّ بالحقّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنة" (٤).

القرآن

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩)} [النساء: ٤٩]

التفسير:

ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين يُثنون على أنفسهم وأعمالهم، ويصفونها بالطهر والبعد عن السوء؟ بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على مَن يشاء مِن عباده، لعلمه بحقيقة أعمالهم، ولا يُنقَصون من أعمالهم شيئًا مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.

في سبب نزول الآية والتي بعدها وجوه:

أحدها: أخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس: " كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم، ويقربون قربانهم، ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب، وكذبوا قال الله إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له، ثم أنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} " (٥).

قال ابن أبي حاتم: "وروي عن مجاهد (٦)، وأبي مالك، والسدي، وعكرمة والضحاك نحو ذلك" (٧).

والثاني: وقال الضحاك: " أما قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ}، فإن اليهود قالوا: ليس لنا ذنوب كما أنه ليس لآبائنا ذنوب، فأنزل الله تعالى ذلك فيهم" (٨).

والثالث: نقل الواحدي عن الكلبي، قال: "نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم وقالوا: يا محمد. هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال: لا، فقالوا: والذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار، فهذا الذين زكوا به أنفسهم" (٩). وذكر مقاتل مثل ذلك (١٠).


(١) صفوة التفاسير: ٢٥٧.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٧٨.
(٣) الوجوه والنظائر: ٢٦٥ - ٢٦٦. [بتصرف] ..
(٤) أخرجه البخاري (٦٨٥٧) كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ومسلم (٨٩): الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٣٠): ص ٣/ ٩٧٢.
(٦) تفسير مجاهد: ٢٨٣، واخرجه ابن المنذر (١٨٥٩): ص ٢/ ٧٤٠
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٣٠): ص ٣/ ٩٧٢.
(٨) تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٣٢): ص ٣/ ٩٧٢.
(٩) أسباب النزول: ١٥٥.
(١٠) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>