للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السمعاني: " قيل: هو إحسان بعضهم إلى بعض، وقيل أرادوا بالإحسان: تقريب الأمر من الحق، لا القضاء على مر الحكم" (١).

وقد ذكر الماتريدي في هذه الآية وجوها (٢):

أحدها: يحتمل هذا ما ذكر في القصة الأولى: أن عمر - رضي الله عنه - لما قتل ذلك الرجل المنافق جاء المنافقون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحلفون بالله ما أراد ذلك الرجل إلا {إحسانا}، أي: تخفيفا وتيسيرا عليك؛ ليرفع عنك المؤنة، {وتوفيقا} إلى الخير والصواب.

والثاني: أنها نزلت في المنافقين في بناء مسجد ضرا.

والثالث: في كل مصيبة تصيبهم، وكل نكبة تلحقهم أن كانوا يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيعتذرون كما {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: ٩٤]، لأنهم كانوا يميلون إلى حيثما كانوا يطمعون من المنافع من الغنيمة وغيرها، إن رأوا النكبة والدبرة على المؤمنين مالوا إلى هؤلاء، ويظهرون الموافقة لهم؛ طمعا منهم، ويقولون: إنا معكم، وإن كانت النكبة والدبرة على الكافرين يظهرون الموافقة لهم؛ كقوله - تعالى -: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١٤١]، هذا كان دأبهم وعادتهم أبدا.

الفوائد:

١ - وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرضا بذلك والتسليم له.

٢ - إن الآية تناولت غباوة المنافقين وقُبْح سجيّتهم، فالاعتذار أخسّ من الفعل، لأنهم يدّعون أن تحكيم غير كتاب الله إحسان وتوفيق، فهذا عذرٌ أقبح من فعل، لأن الإحسان والتوفيق هو بإتّباع كتاب الله وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

٣ - التحذير من كيد الشيطان وصدّه الإنسان عن الحق.

٤ - أن دعوى قصد الإصلاح ليست بعذر في الحكم بغير ما أنزل الله.

القرآن

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)} [النساء: ٦٣]

التفسير:

أولئك هم الذين يعلم الله حقيقة ما في قلوبهم من النفاق، فتولَّ عنهم، وحذِّرهم من سوء ما هم عليه، وقل لهم قولا مؤثرًا فيهم زاجرًا لهم.

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [النساء: ٦٣]، أي: " أولئك هم الذين يعلم الله حقيقة ما في قلوبهم من النفاق" (٣).

قال مقاتل: " من النفاق" (٤).

قال الماوردي: " يعني من النفاق الذي يضمرونه" (٥).

قال ابن كثير: أي" هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك، فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم، فإن الله عالم بظواهرهم وبواطنهم" (٦).

قال الزجاج: " ههنا الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي أولئك الذين قد علم الله أنهم منافقون، والفائدة لنا هي: اعلموا أنهم منافقون" (٧).

وفي قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [النساء: ٦٣]، وجوه من التفسير:


(١) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٢.
(٢) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٧ - ٢٣٨.
(٣) التفسير الميسر: ٨٨.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٥.
(٥) النكت والعيون: ١/ ٥٠٢.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٧.
(٧) معاني القرآن: ٢/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>