للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن مجاهد: " {فكيف إذا أصابتهم مصيبة} في أنفسهم، وبين ذلك ما بينهما من القرآن هذا من تقديم القرآن " (١).

قال الثعلبي: " يعني: فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم يعني عقوبة صدودهم، هذا وعيد وتهديد وتم الكلام" (٢).

وقيل: " أراد بالمصيبة قتل صاحبهم" (٣).

قال السمعاني: " قيل: هو قتل عمر رضي الله عنه ذلك المنافق؛ فإنهم جاءوا يطلبون دمه، وقيل: هو في جميع المنافقين، والمصيبة: كل مصيبة تصيبهم في الدنيا والعقبى" (٤).

والمصيبة هنا "تشمل المصيبة الشرعية والدنيوية لعدم تضاد المعنيين، فالدنيوية مثل: الفقر، والجدب، وما أشبه ذلك" (٥).

قوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: ٦٢]، أي: " ثم جاؤوك -أيها الرسول- يعتذرون، ويؤكدون لك أنهم ما قصدوا بأعمالهم تلك إلا الإحسان والتوفيق بين الخصوم؟ " (٦).

قال الزجاج: " أي: ما أردنا بمطالبتنا بدم صاحبنا إلا إحسانا وطلبا لما يوافق الحق" (٧).

قال الطبري: " وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العِبر والنِّقم، وأنهم إن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت لم ينيبوا ولم يتوبوا، ولكنهم يحلفون بالله كذبًا وجرأة على الله: ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض، والصوابَ فيما احتكمنا فيه إليه" (٨).

قال الثعلبي: " وذلك أن عمر -رضي الله عنه- لما قتل المنافق جاءوا قومه يطلبون الدية ويحلفون: ما أردنا بالترافع إلى عمر. إلا إحسانا وتوفيقا" (٩).

قال ابن كثير: " أي: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: ٥٢] " (١٠).

قال الواحدي: " ثم عاد الكلام إلى ما سبق من القصة فقال: {ثم جاءوك يحلفون بالله} [النساء: ٦٢]، وذلك أن المنافقين أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم: وحلفوا أنهم ما أرادوا بالعدول عنه في المحاكمة، {إلا إحسانا وتوفيقا} [النساء: ٦٢] أي: إلا توفيقا بين الخصوم أي: جمعا وتأليفا، وإحسانا بالتقريب في الحكم دون الحمل على مر الحق. وكل ذلك كذب منهم" (١١).

قال الزمخشري: أي: " حين يصابون فيعتذرون إليك يحلفون ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا إحسانا لا إساءة وتوفيقا بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك، ففرج عنا بدعائك وهذا وعيد لهم على فعلهم، وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم. ولا يغنى عنهم الاعتذار عند حلول بأس الله، وقيل: جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره الله فقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به" (١٢).

قال الكلبي: " إلا إحسانا في القول، وتوفيقا صوابا" (١٣).

قال ابن كيسان: أي: " حقا وعدلا، نظيرها: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} [التوبة: ١٠٧] " (١٤).


(١) أخرجه ابن المنذر (١٩٥٠): ص ٢/ ٧٧٢.
(٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٨.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٩.
(٤) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٢.
(٥) القول المفيد على كتاب التوحيد: ٢/ ١٦٩، الهامش.
(٦) التفسير الميسر: ٨٨.
(٧) معاني القرآن: ٢/ ٦٩.
(٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥١٣.
(٩) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٩.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(١١) الوجيز: ٢/ ٧٤.
(١٢) الكشاف: ١/ ٥٢٦.
(١٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٩.
(١٤) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>