للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أن "الدعاء إلى ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى الرسول، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء إلى ما أنزله الله، وهذا مثل طاعة الله والرسول، فإنهما متلازمان، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن أطاع الله فقد أطاع الرسول" (١).

٣ - وصف سبحانه من دعي إلى الكتاب والسنة فأعرض عن ذلك بالنفاق، وإن زعم أنه يريد التوفيق بذلك بين الدلائل النقلية والعقلية، أو نحو ذلك، وأنه يريد إحسان العلم أو العمل (٢).

القرآن

{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)} [النساء: ٦٢]

التفسير:

فكيف يكون حال أولئك المناففين، إذا حلَّت بهم مصيبة بسبب ما اقترفوه بأيديهم، ثم جاؤوك -أيها الرسول- يعتذرون، ويؤكدون لك أنهم ما قصدوا بأعمالهم تلك إلا الإحسان والتوفيق بين الخصوم؟

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أن عمر قتل منافقاً لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إخوانه من المنافقين يطالبون بدمه، وحلفوا بالله أننا ما أردنا في المطالبة بدمه إلا إحساناً إلى النساء، وما يوافق الحق في أمرنا (٣).

والثاني: أن المنافقين بعد القَوَدِ من صاحبهم اعتذروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محاكمتهم إلى غيره بان قالوا ما أردنا في عدولنا عنك إلا توفيقاً بين الخصوم وإحساناً بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرّ الحق، فنزلت هذه الآية (٤).

والثالث: وقيل: نزلت في المنافقين في بناء مسجد ضرار؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} [التوبة: ١٠٧] (٥).

قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء: ٦٢]، أي: " فكيف يكون حال أولئك المناففين، إذا حلَّت بهم مصيبة بسبب ما اقترفوه بأيديهم" (٦).

قال الزجاج: " أي: فكيف تكون حالهم إذا قتل صاحبهم بما أظهر من الخيانة ورد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم –" (٧).

قال الطبري: أي: " فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، إذا نزلت بهم نقمة من الله بذنوبهم التي سلفت منهم" (٨).

قال ابن كثير: " أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك" (٩).

قال الواحدي: أي: " عقوبة من الله مجازاة على ما صنعوا، وهو قوله: {بما قدمت أيديهم} [النساء: ٦٢] أي: من التكذيب والكفر بالقرآن والرسول؟ " (١٠).

قال الزمخشري: أي: " من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك في الحكم" (١١).

قال الحسن: " عقوبة لهم بنفاقهم وكرهوا حكم الله، {ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} " (١٢).


(١) الإيمان لابن تيمية: ٣٤.
(٢) التسعينية: ابن تيمية: ١/ ١٥٢.
(٣) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٦٩، وتفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٧ - ٢٣٨، تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٩، والنكت والعيوان: ١/ ٥٠٢، والوجيز للواحدي: ٢/ ٧٤، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(٤) انظر: النكت والعيوان: ١/ ٥٠٢، والكشاف: ١/ ٥٢٦.
(٥) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٧ - ٢٣٨.
(٦) التفسير الميسر: ٨٨.
(٧) معاني القرآن: ٢/ ٦٩.
(٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥١٣.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(١٠) الوجيز: ٢/ ٧٤.
(١١) الكشاف: ١/ ٥٢٦.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٥٣): ص ٣/ ٩٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>