للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الصابوني" أي: رأيتهم لنفاقهم يعرضون عنك إِعراضاً" (١).

قال الزجاج والنحاس: " أي يصدون عن، حكمك" (٢).

قال الواحدي: أي: " يُعرضون عنك إعراضاً إلى غيرك عداوةً للدِّين" (٣).

قال ابن كثير: " أي: يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك، كما قال تعالى عن المشركين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: ٢١] هؤلاء وهؤلاء بخلاف المؤمنين، الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: ٥١] " (٤).

قال السمعاني: أي: " أن المنافقين دعوا إلى التحاكم إلى الرسول، فأعرضوا عنه، وتحاكموا إلى الطاغوت" (٥).

قال عطاء: " الصدود: الإعراض" (٦).

قال الماتريدي: " الصدود: هو الإعراض في اللغة، والصد: الصرف" (٧).

قال الراغب: " الصد: كالسد: إلا أن السد بحائل محسوس. والصد بحائل في النفس من إرادة أو كراهة، ونحو ذلك من الحوايل" (٨).

قال الشعراوي: " أي يُعرضون عنك يا رسول الله لأنهم منافقون، وكل منافق عنده قضيتان: قضية لسانية وقضية قلبية؛ فهو باللسان يعلن إيمانه بالله وبرسول الله، وفي القلب تتعارض ملكاته عكس المؤمن أو الكافر، فالمؤمن ملكاته متساندة؛ لأن قلبه انعقد على الإيمان ويقود انسجام الملكات إلى الهدى، والكافر أيضاً ملكاته متساندة؛ لأنه قال: إنه لم يؤمن ويقوده انسجام ملكاته إلى الضلال، لكن المنافق يبعثر ملكاته! ! ملكة هنا وملكة هناك، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار، الكافر منطقي مع نفسه، فلم يعلن الإيمان؛ لأن قلبه لم يقنع، وكان من الممكن أن يقول كلمة الإيمان لكن لسانه لا يرضي أن ينطق عكس ما في القلب، وعداوته للإسلام واضحة. أما المنافق فيقول: يا لساني. . أعلن كلمة الإيمان ظاهراً؛ كي أنفذ من هذا الإعلان إلى أغراضي وأن تطبّق عليّ أحكام الإسلام فانتفع بأحكام الإسلام، وأنا من صميم نفسي إن وجدت فرصة ضد الإسلام فسأنتهزها" (٩).

قال الكسائي: يقرأ: {يصدون}، بكسر الصاد، و {يصدون}، بضم الصاد، وهي قراءة علي والنخعي ومعناه يعرضون (١٠).

الفوائد:

١ - بيَّن تعالى أن هذه صفة المنافقين، وأن من فعل ذلك أو طلبه، وإن زعم أنه مؤمن فإنه في غاية البُعد من الإيمان.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "هذا دليل على أن من دُعي إلى تحكيم الكتاب والسنَّة، فأبى أنَّه من المنافقين» (١١).

قال شيخ الإسلام: " ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شَجَرَ بين الناس، في أمر دينهم ودنياهم، في أصول دينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء، ألا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكم، ويسلموا تسليماً" (١٢).


(١) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٢) معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٦٩، ومعاني القرآن للنحاس: ٢/ ١٢٥
(٣) الوجيز: ٢٧١.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(٥) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٢.
(٦) أخرجه ابن المنذر (١٩٤٩): ص ٢/ ٧٧٢.
(٧) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٦.
(٨) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٢٩٣.
(٩) تفسير الشعراوي: ٤/ ٢٣٦٦.
(١٠) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٦، وتفسير الثعلبي: ٨/ ٣٤٠.
(١١) فتح المجيد: ٣٨١.
(١٢) الإيمان لابن تيمية: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>