للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عكرمة: " إنما سمي الشيطان لأنه تشيطن" (١).

الفوائد:

١ - من أقبح صفات المنافقين: رفض التحاكم إلى شريعة الله، والتحاكم إلى الطواغيت التي تحقق رغباتهم.

٢ - أن التحاكم إلى غير الله ورسوله تحاكم إلى الطاغوت، لقوله: {{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}.

٣ - ومن الفوائد أن الإيمان الصادق، يقتضي الانقياد لشرع الله، والحكم به في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في زعمه.

٤ - بيان تمرد المنافقين على الوحي وهروبهم من الحق وصعرهم إلى الباطل، فلما أوْجَبَ الله تعالى الطَّاعَة على جميع المُكَلَّفين في قوله جلت عظمته: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ... }، ذكر في هذه الآيةِ أن المُنَافقين والذين في قُلُوبهم مَرَضٌ لا يُطيعُون الرَّسولَ، ولا يَرْضُونَ بحُكْمِهِ، وإنما يُريدُون حُكْمَ غيره.

٥ - اتضاح اشتمال لفظ الطاغوت على كل ما يعبد من دون الله ويصد عن سبيله ويعترض على حكمه وشريعته، وفي ذلك السرداب وخلال تلك السبل يرتع أهل النفاق منذ أقدم العهود.

٦ - كشف كراهية المنافقين للحكم بما أنزل الله تعالى وتعصبهم ضده، ووقوفهم مع أي نظام طاغوتي بديل عنه، وبغضهم للحق وحملته، وبعدهم عن الاستماتة في سبيله، وضيقهم ذرعاً بشعائره، فيمقتون لذلك كل الطاعات من صلاة وزكاة وحج .. ، وإن تستروا حال خوفهم على ذلك المقت وغطوه، لكن بواطنهم تنفضح وسرائرهم تنكشف إذا أعلنت شعيرة الجهاد في سبيل الله أو رفعت راية الحكم بما أنزل الله، فعند هذين الأمرين لابد أن يتبدى الوجه الكالح للنفاق ويصدح أهله بخسيس مكنوناتهم.

٧ - أظهرت الآيات بما لا مجال للشك فيه من خلال التعبير القرآني {يَزْعُمُونَ} أن الإيمان والتحاكم إلى غير شرع الله لا يجتمعان في قلب واحد، ذلك أن الإيمان لا يكون إلا بالكفر بالطاغوت {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لا انفِصَامَ}، والرضا بالتحاكم إلى القوانين الوضعية يناقض الكفر بها، كما أنه ينافي الرضا بتحكيم شرع الله، فكل من حكم بغير ما جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم-، أو حاكم إليه فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه، وذلك مناف للإيمان.

القرآن

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١)} [النساء: ٦١]

وإذا نُصح هؤلاء، وقيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله، وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهديه، أبصَرْتَ الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يعرضون عنك إعراضًا.

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} [النساء: ٦١]، أي: " وإذا نُصح هؤلاء، وقيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله، وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهديه" (٢).

قال الماتريدي: " أي: إذا قيل لهم: تعالوا إلى حكم ما أنزل الله في كتابه، وإلى الرسول، وإلى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم – وسنته" (٣).

قال ابن جريج: " دعا المسلم المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم " (٤).

قال ابن عباس: " كانوا إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم، قالوا: بل نتحاكم إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا" (٥).

وقرأ الحسن: {تعالوا}، بضم اللام على أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفا (٦).

قوله تعالى: {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: ٦١]، أي: " أبصَرْتَ الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يعرضون عنك إعراضًا" (٧).

قال السمرقندي: " أي يعرضون عنك إعراضا" (٨).


(١) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٥٥٠): ص ٣/ ٩٩٢.
(٢) التفسير الميسر: ٨٨.
(٣) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٦.
(٤) أخرجه ابن المنذر (١٩٤٨): ص ٢/ ٧٧٢.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٥٢): ص ٣/ ٩٩٣.
(٦) انظر: الكشاف: ١/ ٥٢٥.
(٧) التفسير الميسر: ٨٨.
(٨) تفسير السمرقندي: ١/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>