للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواحدي: " الأمر إلى الله وإلى رسوله من غير معارضةٍ بشيءٍ" (١).

قال الزجاج: " أي: لا تضيق صدورهم من قضيتيك، [و] يسلمون لما يأتي به من حكمك، لا يعارضونه بشيء" (٢).

قال ابن كثير: " أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» (٣) " (٤).

قال السعدي: " ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليما بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن، فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين" (٥).

قال السمعاني: " {حرجا}، أي: ضيقا، ومنه الحرجة، روى أن عمر - رضي الله عنه - قال لبعض العرب: ما الحرجة عندكم؟ قال: هي شجرة ملتفة، لا يصل الماء إليها، ومن ذلك قوله - تعالى -: {يجعل صدره ضيقا حرجا} أي: يضيق مسلكه بحيث لا تصل إليه الهداية" (٦).

عن مجاهد في قوله: " {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت}، قال: شكا" (٧).

وعن الضحاك، في قوله عز وجل: " {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا}، قال: إثما " (٨).

وعن أبي عبيدة: " {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت}، أي: ضيقا " (٩).

قال الزمخشري: " {حرجا}: ضيقا، أى: لا تضيق صدورهم من حكمك، وقيل: شكا، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين ويسلموا وينقادوا ويذعنوا لما تأتى به من قضائك، لا يعارضوه بشيء، من قولك: سلم الأمر لله وأسلم له، وحقيقة سلم نفسه وأسلمها، إذا جعلها سالمة له خالصة" (١٠).

الفوائد:

١ - أن الآية توبيخ لمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد الشجار.

٢ - أن التحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها (١١).

القرآن

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)} [النساء: ٦٦]

التفسير

ولو أوجبنا على هؤلاء المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضًا، أو أن يخرجوا من ديارهم، ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم، ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لهم، وأقوى لإيمانهم.

في سبب نزول الآية:


(١) الوجيز: ٢٧٢.
(٢) معاني القرآن: ٢/ ٧٠.
(٣) أخرجه البغوي في شرح السنة ١/ ٢١٢ - ٢١٣، حديث رقم ١٠٤، قال النووي في آخر الأربعين النووية "حسن صحيح"، وقال الحافظ في الفتح ١٣/ ٢٨٩: أخرجه الحسن بن سفيان وغيره؛ ورجاله ثقات؛ وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٩٤): تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه ... ".
(٤) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٥) تفسير السعدي: ١٨٤.
(٦) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٤.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٦٢): ص ٣/ ٩٩٥.
(٨) أخرجه ابن المنذر (١٩٦٢): ص ٢/ ٧٧٧.
(٩) أخرجه ابن المنذر (١٩٦٣): ص ٢/ ٧٧٨.
(١٠) الكشاف: ١/ ٥٢٩.
(١١) انظر: تفسير السعدي: ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>