للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرج الطبري (١) وابن أبي حاتم (٢) عن أسباط، عن السدي (٣)، قال: "افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا! فقال ثابت: والله لو كُتب علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا! أنزل الله في هذا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} " (٤).

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} [النساء: ٦٦]، "أي: لو فرضنا على هؤلاء المنافقين ما فرضنا على ما قبلهم من المشقات وشدّدنا التكليف عليهم فأمرناهم بقتل النفس والخروج من الأوطان كما فرض ذلك على بني إِسرائيل" (٥).

قال الطبري: أي: "ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، المحتكمين إلى الطاغوت، أن يقتلوا أنفسهم وأمرناهم بذلك أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها" (٦).

قال مجاهد: " كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالخناجر، لم يفعلوا إلا قليل منهم" (٧).

قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦]، "أي: ما استجاب ولا انقاد إِلا قليل منهم" (٨).

وقرأ ابن عامر: {ما فعلوه إلا قليلا منهم}، نصبا (٩).

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦]، أي: "ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لهم، وأقوى لإيمانهم" (١٠).

عن السدي: {لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا}، قال: تصديقًا" (١١).

قال الطبري: أي: " ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدُّون عنك صدودًا، [فعلوا] ما يذكّرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} في عاجل دنياهم، وآجل معادهم، وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها، وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلا وعناؤه يضمحلّ فيصير هباء، وهو بشكه يعمل على وناءٍ وضعف، ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجرًا، ولكان له عند الله ذخرًا، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشدَّ تثبيتًا، لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله " (١٢).

قال أبو إسحاق السبيعي: " لما نزلت: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّ من أمتي لَرِجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرَّواسي» " (١٣).

وعن شريح بن عبيد قال: لما تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة، فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل- يعني ابن رواحة" (١٤).

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، قال أبو بكر: يا رسول الله، والله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت. قال: «صدقت يا أبا بكر» " (١٥).


(١) تفسير الطبري (٩٩٢٠): ص ٨/ ٥٢٥
(٢) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٥٦٨): ص ٣/ ٩٩٦.
(٣) رواية أسباط بن نصر عن السدي، سنده ضعيف جداً؛ فيه علتان:
الأولى: الإعضال.
الثانية: أسباط؛ صدوق كثير الخطأ، يُغْرب.
(٤) تفسير الطبري (٩٩٢٠): ص ٨/ ٥٢٥
(٥) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٦) تفسير الطبري: ٨/ ٥٢٦.
(٧) أخرجه الطبري (٩٩١٩): ص ٨/ ٥٢٦.
(٨) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٩) انظر: السبعة: ٢٣٥.
(١٠) التفسير الميسر: ٨٩.
(١١) أخرجه الطبري (٩٩٢٢): ص ٨/ ٥٢٩.
(١٢) تفسير الطبري: ٨/ ٥٢٨ - ٥٢٩.
(١٣) أخرجه الطبري (٩٩٢١): ص ٨/ ٥٢٦.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٦٤): ص ٣/ ٩٩٥.
(١٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٦٦): ص ٣/ ٩٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>