للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السعدي: أي: " يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها ويشرحها لكم فضلا منه وإحسانا لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه، ولئلا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم" (١).

قال الماتريدي: " قيل: ألا تضلوا في قسمة المواريث. وقيل: ألا تخطئوا. وقيل: ألا تخلطوا، وهو واحد" (٢).

قال ابن سيرين: " كان عمر إذا قرأ: {يبين الله لكم أن تضلوا}، قال: اللهم مَنْ بَيَّنت له الكلالة، فلم تُبَيَّن لي" (٣).

وفي تفسير قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٦]، وجهان (٤):

أحدهما: أن المعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا، فأضمرت «لا». وهذا قول الفراء (٥)، والكسائي (٦)، وابن قتيبة (٧)، والطبري (٨)، والزجاج (٩)، والماتريدي (١٠)، والنحاس (١١)، وغيرهم.

ومثل هذا قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: ٤١] أي: لئلا تزولا، ومثله: {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: ٢]. ومنه قول القطامي في صفة ناقة (١٢):

رَأَيْنَا مَا يَرَى البُصَراءُ فِيهَا ... فَآلَيْنَا عَلَيْها أَنْ تُبَاعَا

بمعنى: أن لا تباع.

والثاني: أن المعنى: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، وحذفت " كراهة "، لأن في الكلام دليلا عليها، وإنما جاز الحذف عندهم على أحد، ومن ذلك قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]، والمعنى واسأل أهل القرية. وهذا قول البصريين (١٣).

قال الواحدي: " وهذا القول يبعد، لأنه لم يدل على الاجتناب شيء" (١٤).

والذي عليه البصريون أظهر، وفي حديث ابن عمر: «لا يدعو أحدكم على ولده أن يوافق من الله ساعة إجابة» (١٥)، قيل: معناه: لئلا يوافق ساعة إجابة، والأظهر تقدير البصريين: أي كراهة أن يوافق ساعة إجابة، وفي معنى الكراهة الحذر والتفادي، وهو استعمال معروف وتكرر في القرآن (١٦).

قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: ١٧٦]، أي: " والله عالم بعواقب الأمور، وما فيها من الخير لعباده" (١٧).

قال سعيد بن جبير: " يعني: من قسمة المواريث وغيرها عليم" (١٨).

قال الطبري: أي: "من مصالح عباده في قسمة مواريثهم وغيرها، وجميع الأشياء، فهو بذلك كله ذو علم" (١٩).

قال ابن كثير: " أي: هو عالم بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده، وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى" (٢٠).


(١) تفسير السعدي: ٣/ ٣١٨.
(٢) تفسير الماتريدي: ٣/ ٤٣٤.
(٣) أخرجه الطبري (١٠٨٩٢): ٩/ ٤٤٥.
(٤) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٥) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٢٣.
(٦) انظر: معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٢٣، وإعراب القرآن للنحاس: ١/ ١٦٥، والدر المصون: ٤/ ١٧٦.
(٧) انظر: تاويل مشكل القرآن: ١٤٣.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٤٥.
(٩) انظر: معاني القرآن: ١/ ٤٣، و ٢/ ١٣، و ٢/ ١٦٢.
(١٠) انظر: تفسير الماتريدي: ١/ ٦٠٦، و ٣/ ٤٣٤
(١١) انظر: إعراب القرآن: ١/ ١٦٥.
(١٢) ديوانه" ص ٤٣، و"تفسير الطبري" ٩/ ١١٨، و"الدر المصون" ٥/ ٥١٣، وهو يصف ناقته يقول: لا تباع لما رأينا من حسنها.
(١٣) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ١٣٧.
(١٤) التفسير البسيط: ٧/ ٢١٤.
(١٥).
(١٦) انظر: تفسير المنار: ٦/ ٩٢.
(١٧) التفسير الميسر: ١٠٦.
(١٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٣٤٦): ص ٤/ ١١٢٨.
(١٩) تفسير الطبري: ٩/ ٤٤٥.
(٢٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>