للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنها العهود التي أخذها الله تعالى على أهل الكتاب أن يعملوا بما في التوراة، والإِنجيل من تصديق محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قول ابن جريج (١).

قال، قال محمد بن مسلم: "قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه على نَجْران فكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم، فيه: «هذا بيان من الله ورسوله: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، فكتب الآيات منها حتى بلغ، {إن الله سريع الحساب} " (٢).

والثالث: أنها عهود الجاهلية وهي الحلف الذي كان بينهم على النُّصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءً. وهذا قول قتادة (٣).

الرابع: عهود الدين كلها، وهذا قول الحسن (٤).

والخامس: أنها العقود التى يتعاقدها الناس بينهم من بيع، أو نكاح، أو يعقدها المرء على نفسه من نذر، أو يمين، وهذا قول عبدالله بن عبيدة (٥)، ومحمد بن كعب القرظي (٦)، وابن زيد (٧).

والسادس: يعني: بالعهود التي بينكم وبين المشركين. وهذا قول مقاتل (٨).

والظاهر-والله أعلم- هو القول الأول، وأن معناه: "أوفوا، يا أيها الذين آمنوا، بعقود الله التي أوجبَهَا عليكم، وعقدها فيما أحلَّ لكم وحرم عليكم، وألزمكم فرضه، وبيَّن لكم حدوده، لأن الله جل وعز أتبع ذلك البيانَ عما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أوجب عليهم من فرائضه. فكان معلومًا بذلك أن قوله: {أوفوا بالعقود}، أمرٌ منه عبادَه بالعمل بما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقيب ذلك، ونَهْيٌ منه لهم عن نقض ما عقده عليهم منه، مع أن قوله: {أوفوا بالعقود}، أمرٌ منه بالوفاء بكل عقد أذن فيه، فغير جائز أن يخصَّ منه شيء حتى تقوم حجة بخصوص شيء منه يجب التسليم لها. فإذْ كان الأمر في ذلك كما وصفنا، فلا معنى لقول من وجَّه ذلك إلى معنى الأمر بالوفاء ببعض العقود التي أمرَ الله بالوفاء بها دون بعض" (٩).

قال السعدي: " هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم.

والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: {إنما المؤمنون إخوة} بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع، فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها" (١٠).

قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: ١]، أي: " وقد أحَلَّ الله لكم البهيمة من الأنعام، وهي الإبلُ والبقر والغنم" (١١).

قال الزجاج: اي: " أي: أحلت لكم الإبل والبقر والغنم والوحش" (١٢).


(١) انظر: تفسير الطبري (١٠٩١٣): ص ٩/ ٤٥٤.
(٢) أخرجه الطبري (١٠٩١٤): ٩/ ٤٥٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٠٥)، و (١٠٩٠٦): ص ٩/ ٤٥٢.
(٤) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٦، وتفسير القرطبي: ٦/ ٣٢.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٠٩): ص ٩/ ٤٥٣.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٩١٠): ص ٩/ ٤٥٣.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٠٩١١)، و (١٠٩١٢): ص ٩/ ٤٥٣.
(٨) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٤٨.
(٩) تفسير الطبري: ٩/ ٤٥٤.
(١٠) تفسير السعدي: ٢١٨.
(١١) التفسير الميسر: ١٠٦.
(١٢) معاني القرآن: ٢/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>