للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف في قوله تعالى: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١]، على قولين

أحدهما: معناه: إلا ما بيَّن الله لكم فيما يتلى عليكم بقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)، الآية [سورة المائدة: ٣]. وهذا قول ابن عباس (١)، ومجاهد (٢)، وقتادة (٣)، والسدي (٤).

قال ابن كثير: " والظاهر - والله أعلم - أن المراد بذلك قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} فإن هذه وإن كانت من الأنعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض" (٥).

والثاني: أن الذي استثنى الله بقوله: {إلا ما يتلى عليكم}، الخنزير. وهذا قول ابن عباس-في رواية أخرى- (٦)، والضحاك (٧).

والراجح-والله أعلم- هو القول الأول، "لأن الله عز وجل استثنى مما أباح لعباده من بهيمة الأنعام، ما حرَّم عليهم منها. والذي حرّم عليهم منها، ما بيّنه في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ} [المائدة: ٣]، وإن كان حرَّمه الله علينا، فليس من بهيمة الأنعام فيستثنى منها. فاستثناء ما حرَّم علينا مما دخل في جملة ما قبل الاستثناء، أشبهُ من استثناء ما حرَّم مما لم يدخل في جملة ما قبل الاستثناء" (٨).

قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١]، أي: "ومن تحريم الصيد وأنتم محرمون" (٩).

قال مقاتل: " يقول: من غير أن تستحلوا الصيد {وأنتم حرم}، يقول: إذا كنت محرما بحج أو عمرة فالصيد عليك حرام كله غير صيد البحر فإنه حلال لك" (١٠).

قال الواحدي: " يعني: إلاَّ أن تحلُّوا الصَّيد في حال الإِحرام فإنَّه لا يحلُّ لكم" (١١).

قال السعدي: " أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال، إلا حيث كنتم متصفين بأنكم غير محلي الصيد وأنتم حرم، أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام، وفي الحرم، فإن ذلك لا يحل لكم إذا كان صيدا، كالظباء ونحوه، والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش" (١٢).

واختلف في قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١]، على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، والتقدير: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} {غير محلي الصيد وأنتم حرم} {أحلت لكم بهيمة الأنعام} (١٣).

والمعنى: أوفوا، أيها المؤمنون، بعقود الله التي عقدها عليكم في كتابه، لا محلّين الصيد وأنتم حرم (١٤).

والثاني: ان المعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية من الظباء والبقر والحمر {غير محلي الصيد}، غير مستحلِّي اصطيادها، وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم (١٥).


(١) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٣١)، و (١٠٩٣٢): ص ٩/ ٤٥٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٢٧): ص ٩/ ٤٥٧ - ٤٥٨.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٢٨)، و (١٠٩٢٩): ص ٩/ ٤٥٨.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٣٠): ص ٩/ ٤٥٨.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ٨.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٣٣): ص ٩/ ٤٥٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٣٤): ص ٩/ ٤٥٨.
(٨) تفسير الطبري: ٩/ ٤٥٩.
(٩) التفسير الميسر: ١٠٦.
(١٠) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٤٨.
(١١) الوجيز: ٣٠٦.
(١٢) تفسير السعدي: ٢١٨.
(١٣) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٥٩.
(١٤) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٥٩.
(١٥) انظر: معاني القرآن للفراء ١: ٢٩٨، وتفسير الطبري: ٩/ ٤٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>