للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أن المعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها {إلا ما يتلى عليكم}، إلا ما كان منها وحشيًّا، فإنه صيد، فلا يحل لكم وأنتم حرم. وهذا قول الربيع بن انس (١).

والراجح من التفسير أن يقال: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بعقود الله التي عقد عليكم مما حرّم وأحلّ، لا محلين الصيد في حرمكم، ففيما أحلَّ لكم من بهيمة الأنعام المذكَّاة دون ميتتها، متَّسع لكم ومستغنًى عن الصيد في حال إحرامكم" (٢). -والله أعلم-.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: ١]، أي: "إن الله يحكم ما يشاء وَفْق حكمته وعدله" (٣).

قال قتادة: " إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبيّن لعباده، وفرض فرائضه، وحدَّ حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته" (٤).

قال مقاتل: " فحكم أن جعل ما شاء من الحلال حراما، وجعل ما شاء مما حرم في الإحرام من الصيد حلالا" (٥).

قال الزجاج: " أي الخلق له عز وجل، يحل منه ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد" (٦).

قال ابن الجوزي: " أي: الخلق له يحل ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد على من يريد" (٧).

قال الطبري: أي: " إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه = فأوفوا، أيها المؤمنون، له بما عقدَ عليكم من تحليل ما أحل لكم وتحريم ما حرّم عليكم، وغير ذلك من عقوده، فلا تنكثوها ولا تنقضوها" (٨).

قال السعدي: " أي: فمهما أراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته، كما أمركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم، وأحل لكم بهيمة الأنعام رحمة بكم، وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض، من الميتة ونحوها، صونا لكم واحتراما، ومن صيد الإحرام احتراما للإحرام وإعظاما" (٩).

الفوائد:

١ - وجوب الوفاء بالعهود التي بين الله تعالى وبين العبد والمحافظة على العقود التي بين العبد وأخيه العبد لشمول الآية ذلك.

٢ - إباحة أكل لحوم الإبل والبقر والغنم إلا الميتة منها.

٣ - تحريم الصيد في حال الإحرام وحليته بعد التحلل من الإحرام وهو صيد البر لا البحر.

٤ - استدل بعض الصحابة بهذه الآية على إباحة الجنين الذي يموت في بطن أمه بعدما تذبح.

القرآن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢)} [المائدة: ٢]


(١) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٣٥)، و (١٠٩٣٦): ص ٩/ ٤٦٠.
(٢) تفسير الطبري: ٩/ ٤٦١.
(٣) التفسير الميسر: ١٠٦.
(٤) أخرجه الطبري (١٠٩٣٧): ص ٩/ ٤٦٢.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٤٨.
(٦) معاني القرىن: ٢/ ١٤٢.
(٧) زاد المسير: ١/ ٥٠٦.
(٨) تفسير الطبري ٩/ ٤٦٢.
(٩) تفسير السعدي: ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>