للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: " قوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} عائد على ما يمكن عوده عليه، مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة، وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} " (١).

والثاني: أنه من الإستثناء المنقطع، وأنه عائد إلى ما أكل السبع خاصة، وهو محكي عن الظاهرية (٢).

والراجح –والله أعلم- هو القول الاول، وهو اختيار الجمهور من الفقهاء، وبهذا الاعتبار يكون الاستثناء من قبيل الاستثناء المتصل، {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [سورة المائدة: ٣]، يعني: مما أدركتم فيه الحياة من هذه المذكورات، كالتي سقطت في بئر، أو التي سقطت من السطح، أو التي صدمتها السيارة أو التي أصابها حجر أو نحو هذا فأدركتم فيها حياة، أي فيه رمق بأن تتحرك رجل أو يد أو نحو هذا وإن كانت في حال الاحتضار فإنها إذا ذكيت جاز أكلها، وإن كانت قد خرجت نفسها فلا يجوز أكلها، هذا الذي عليه عامة أهل العلم وهم الجمهور.

وفي الصحيحين عن رافع بن خَدِيج أنه قال: "قلت: يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدًا وليس معنا مُدى، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السنَّ والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السنُّ فعظم، وأما الظفر فمُدَى الحبشة" (٣).

و«المُدَى»: جمع مُدْية، وهي السكين، وهذا مما يستدل به على أن متروك التسمية ولو نسيانًا لا يحل وإن ذبح لله قصدًا؛ لأنه ذكر هنا شرطين:

- الشرط الأول لا بد منه، وهو ما أنهر الدم بقطع الأوداج، ولذلك الذي يقطع في الذبيحة أربعة أشياء: الودجان، وهما عرقان محيطان بالعنق، والحلقوم، وكذلك القصبة الهوائية، والمريء، فإذا قطعت الأوداج حلت الذبيحة، والأكمل في التذكية قطع الأربعة، ويليه قطع ثلاثة.

- والثاني: ذكر اسم الله، وهو قوله: «بسم الله».

فالحاصل أنه قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، «ليس السن والظفر»، يعني: سوى السن والظفر.

قال الرسول-صلى الله عليه وسلم-: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» (٤).

وعن أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة" (٥).


(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٤.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٥٠٥، والنكت والعيون: ٢/ ١١، وزاد المسير: ٢/ ٢٣٦.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها (٦٩٦٢) (ج ٦ / ص ٢٦٩٢) ومسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان - باب الصيد بالكلاب المعلمة (١٩٢٩) (ج ٣ / ص ١٥٢٩).
(٤) صحيح مسلم برقم (١٩٥٥).
(٥) المسند (٥/ ٢١٨) وسنن أبي داود برقم (٢٨٥٨) وسنن الترمذي برقم (١٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>