للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن خرج نهاني ربي تركوه، وإن خرج الأبيض أعادوه، فنهى الله عنه، فَسُمِّي ذلك استقساماً، لأنهم طلبوا به علم ما قُسِمَ لهم" (١).

وقال أبو العباس المبرد: "بل هو مشتق من قَسَم اليمين، لأنهم التزموا ما يلتزمونه، باليمين" (٢).

عن مجاهد: " {وأن تستقسموا بالأزلام}، حجارة كانوا يكتبون عليها، يسمونها: القِداح" (٣).

عن سعيد بن جبير: " {وأن تستقسموا بالأزلام}، قال: القداح، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحًا للجلوس والخروج. فإن وقع الخروج خرجوا، وإن وقع الجلوس جلسوا" (٤).

قال الحسن: " كانوا إذا أرادوا أمرًا أو سفرًا، يعمَدون إلى قداح ثلاثة، على واحد منها مكتوب: أؤمرني، وعلى الآخر: انهني، ويتركون الآخر محلَّلا بينهما ليس عليه شيء. ثم يجيلونها، فإن خرج الذي عليه: أؤمرني، مضوا لأمرهم. وإن خرج الذي عليه: انهني، كفُّوا، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها" (٥).

قال قتادة: " كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرًا، كتب في قدح: هذا يأمرني بالمكث، وهذا يأمرني بالخروج، وجعل معهما منيحة (٦)، شيء لم يكتب فيه شيئًا، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج. فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القِدْحين" (٧).

قال السدي: " {الأزلام}، قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة، فإذا أراد الرجل أن يسافر، أو يتزوج، أو يحدث أمرًا، أتى الكاهن فأعطاه شيئًا، فضرب له بها. فإن خرج منها شيء يعجبه، أمره ففعل. وإن خرج منها شيء يكرهه، نهاه فانتهى، كما ضرب عبد المطلب على زمزم، وعلى عبد الله والإبل" (٨).

وقال إبن إسحاق: " كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بمكة، وكانت على بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئْر هي التي يجمع فيها ما يُهدي للكعبة. وكانت عند هبل سبعة أقْدُح كل قِدْح منها فيه كتاب. قدح فيه: العقل، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم، ضربوا بالقداح السبعة، فإن خرج العقل، فعلى من خرج حمله وقدح فيه: نعم للأمر إذا أرادوه، يضرب به، فإن خرج قدح نعم عملوا به. وقدح فيه: لا، فإذا أرادوا أمرًا ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح، لم يفعلوا ذلك الأمر. وقِدْح فيه: منكم. وقدح فيه: مُلْصَق. وقدح فيه: من غيركم. وقدح فيه: المياه، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح، فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلامًا أو أن ينكحوا مَنكحًا، أو أن يدفنوا ميتًا، أو شكوا في نسب واحد منهم ذهبوا به إلى هبل وبمئة درهم، وبجَزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها، ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا، هذا فلان بن فلان، قد أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحق فيه. ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فيضرب، فإن خرج عليه منكم كان وسيطًا، وإن خرج عليه: من غيركم، كان حليفًا وإن خرج ملصق كان على منزلته منهم، لا نسب له ولا حلف، وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به نعم، عملوا


(١) النكت والعيون: ٢/ ١١ - ١٢.
(٢) النكت والعيون: ٢/ ١١ - ١٢.
(٣) أخرجه الطبري (١١٠٦١): ص ٩/ ٥١١.
(٤) أخرجه الطبري (١١٠٥٨): ص ٩/ ٥١١.
(٥) أخرجه الطبري (١١٠٦٠): ص ٩/ ٥١١.
(٦) هي الناقة أو الشاة المعارة، فسمى هذا الشيء الذي لا أمر له في الاستقسام " منيحة "، كما سموا شبيهه في الميسر " منيحًا " وهو المستعار.
(٧) أخرجه الطبري (١١٠٦٦): ص ٩/ ٥١٢.
(٨) أخرجه الطبري (١١٠٧٠): ص ٩/ ٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>