للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- كله إلى أنْ نَزَل ذلك عليه يوم عرفة، وهذا قول الحسن.

وفي إكمال الدين قولان:

أحدهما: يعني أكملت فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي، ولم ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفرائض من تحليل ولا تحريم، وهذا قول ابن عباس (١)، والسدي (٢).

قال ابن جريج: " مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية، إحدى وثمانين ليلة، قوله: اليوم أكملت لكم دينكم" (٣).

عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: "لما نزلت: اليوم أكملت لكم دينكم، وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص! فقال: صدقت" (٤).

والثاني: يعني اليوم أكملت لكم حجتكم، أن تحجوا البيت الحرام، ولا يحج معكم مشرك، وهذا قول قتادة (٥)، وسعيد ابن جبير (٦)، والحكم (٧).

والراجح من القول: أن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينَهم، بإفرادهم بالبلدَ الحرام وإجلائه عنه المشركين، حتى حجَّه المسلمون دونهم لا يخالطهم المشركون، فأما الفرائض والأحكام، فإنه قد اختلف فيها: هل كانت أكملت ذلك اليوم، أم لا؟ فروي عن ابن عباس والسدّي ما ذكرنا عنهما قبل.

وروي عن البراء بن عازب: " آخر آية نزلت من القرآن: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} " (٨).

ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قُبِض، بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعًا. فإذ كان ذلك كذلك وكان قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} آخرَها نزولا وكان ذلك من الأحكام والفرائض كان معلومًا أن معنى قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم}، على خلاف الوجه الذي من تأوَّله بكمال العبادات والأحكام والفرائض (٩).

عن قبيصة قال، قال كعب: "لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية (١٠)، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم، فاتخذوه عيدًا يجتمعون فيه! فقال عمر: أيُّ آية يا كعب؟ فقال: "اليوم أكملت لكم دينكم". فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه: يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيدٌ" (١١).

قوله تعالى: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣]، أي: "وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان" (١٢).

قال مقاتل: " يعني: الإسلام إذ حججتم وليس معكم مشرك " (١٣).


(١) انظر: تفسير الطبري (١١٠٨٠): ص ٩/ ٥١٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١١٠٨١): ص ٩/ ٥١٨.
(٣) أخرجه البري (١١٠٨٢): ص ٩/ ٥١٨ - ٥١٩.
(٤) أخرجه البري (١١٠٨٣): ص ٩/ ٥١٩.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١١٠٨٦): ص ٩/ ٥٢٠.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١١٠٨٧): ص ٩/ ٥٢٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١١٠٨٥): ص ٩/ ٥١٩.
(٨) أخرجه الطبري (١٠٨٧١): ص ٩/ ٤٣٤.
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٥٢٠ - ٥٢١.
(١٠) يقصد قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣].
(١١) أخرجه الطبري (١١١٠٠): ص ٩/ ٥٢٦.
(١٢) التفسير الميسر: ١٠٧.
(١٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>