للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، أي: "ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه" (١).

قال مقاتل: " يعني: واخترت لكم الإسلام دينا فليس دين أرضى عند الله- عز وجل- من الإسلام قال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٢) " (٣).

قال الماوردي: " أي: رضيت لكم الاستسلام لأمري ديناً، اي طاعة" (٤).

قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣]، أي: " فمن اضطرَّ في مجاعة إلى أكل الميتة، وكان غير مائل عمدًا لإثم، فله تناوله، فإن الله غفور له، رحيم به" (٥).

قال مقاتل: " يعني: مجاعة وجهد شديد أصابه من الجوع، {غير متجانف لإثم}: غير متعمد لمعصية، {فإن الله غفور رحيم}، إذ رخص له في أكل الميتة ولحم الخنزير حين أصابه الجوع الشديد والجهد، وهو على غير المضطر حرام" (٦).

قال الطبري: " فإن الله لمن أكل ما حرمت عليه بهذه الآية أكله، في مخمصة، غير متجانف لإثم غفور رحيم، يقول: يستر له عن أكله ما أكل من ذلك، بعفوه عن مؤاخذته إياه، وصفحه عنه وعن عقوبته عليه رحيم، يقول: وهو به رفيق. ومن رحمته ورفقه به أباح له أكل ما أباح له أكله من الميتة وسائر ما ذكر معها في هذه الآية، في حال خوفه على نفسه من كَلَب الجوع وضُرِّ الحاجة العارضة ببدنه" (٧).

قال ابن كثير: " أي: فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناول ذلك، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له. وفي المسند وصحيح ابن حبَّان، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رُخْصته كما يكره أن تؤتى مَعْصِيته»، لفظ ابن حبان (٨). وفي لفظ لأحمد: «من لم يقبل رُخْصَة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة» (٩) ".

ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على مهجته التلف ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسد به الرَّمَق، أو له أن يشبع، أو يشبع ويتزود؟ على أقوال، كما هو مقرر في كتاب الأحكام. وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير، أو صيدًا وهو محرم: هل يتناول الميتة، أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء، أو ذلك الطعام ويضمن بدله؟ على قولين، هما قولان للشافعي، رحمه الله. وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له" (١٠).

قال مسروق: "من اضطُرَّ فلم يأكل ولم يشرب، ثم مات دخل النار. وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة" (١١).


(١) التفسير الميسر: ١٠٧.
(٢) [سورة آل عمران: ٨٥].
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٥٢.
(٤) النكت والعيون: ٢/ ١٢.
(٥) التفسير الميسر: ١٠٧.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٥٢ - ٤٥٣
(٧) تفسير الطبري: ٩/ ٥٣٧.
(٨) صحيح ابن حبان برقم (٥٤٥) "موارد" وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ١٦٢): "رجاله رجال الصحيح".
(٩) المسند (٢/ ١٠٨).
(١٠) تفسير ابن كثير: ٣/ ٢٩.
(١١) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>