للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو واقد الليثي: "قلنا: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا فيها مخمصة، فما يصلح لنا من الميتة؟ قال: إذا لم تصطبحوا، أو تغتبقوا، أو تحتفئوا بقلا فشأنَكم بها" (١).

وعن الحسن: "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلى متى يحلُّ لي الحرام؟ قال فقال: إلى أن يروَى أهلك من اللبن، أو تجيء مِيرَتُهم " (٢).

وعن عروة بن الزبير، عمن حدثه: "أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرّم الله عليه، والذي أحل له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تحل لك الطيبات، وتحرُم عليك الخبائث، إلا أن تفتقر إلى طعام لا يحل لك، فتأكل منه حتى تستغني عنه. فقال الرجل: وما فقري الذي يُحِلّ لي؟ وما غناي الذي يغنيني عن ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كنت ترجو نتاجًا، فتبلَّغ بلحوم ماشيتك إلى نِتاجك، أو كنت ترجو غنًى تطلبه، فتبلَّغ من ذلك شيئًا، فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه. فقال الأعرابي: ما غِناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أرويت أهلك غَبُوقًا من الليل، فاجتنب ما حرَّم الله عليك من طعام، وأمّا مالُك فإنه ميسور كله، ليس فيه حرام" (٣).

وفي قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: ٣]، قولان:

أحدهما: غير متعمد لإِثم، وهذا قول ابن عباس (٤)، والحسن، وقتادة (٥)، ومجاهد (٦)، والسدي (٧)، وابن زيد (٨).

والثاني: غير مائل إلى إثم، والمتجانف لإثم، هو: المتمايل له، وأصله من: جنف القوم، إذا مالوا، وكل أعوج عند العرب أجنف. وهذا قول الطبري (٩).

قال الشيخ ابن عثيمين: والله سبحانه وتعالى أباح لنا الميتة بثلاثة شروط (١٠):

١ - الضرورة.

٢ - أن لا يكون مبتغياً – أي طاباً لها -.

٣ - أن لا يكون متجاوزاً للحد الذي تندفع به الضرورة.

وبناءً على هذا ليس له أن يأكل حتى يشبع إلا إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يجد سواها عن قرب؛ وهذا هو الصحيح؛ ولو قيل: بأنه في هذه الحال يأكل ما يسد رمقه، ويأخذ شيئاً منها يحمله معه - إن اضطر إليه أكل، وإلا تركه - لكان قولاً جيداً.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: تحريم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير لله.

٢ - ومنها: أن التحريم والتحليل إلى الله؛ لقوله تعالى: {إنما حرم عليكم}.

٣ - ومن فوائد الآية: تحريم جميع الميتات؛ لقوله تعالى: {والميتة}؛ و «أل» هذه للعموم إلا أنه يستثنى من ذلك السمك، والجراد - يعني ميتة البحر، والجراد -؛ للأحاديث الواردة في ذلك؛ والمحرم هنا هو الأكل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميتة: «إنما حرم أكلها» (١١)؛ ويؤيده


(١) أخرجه الطبري (١١١٢٥): ص ٩/ ٥٣٨.
(٢) أخرجه الطبري (١١١٢٦): ص ٩/ ٥٣٩. والميرة (بكسر الميم): هو جلب الطعام.
(٣) أخرجه الطبري (١١١٢٩): ص ٩/ ٥٤٠ - ٥٤١.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١١١١٩): ص ٩/ ٥٣٦.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١١١٢١)، و (١١١٢٢): ص ٩/ ٥٣٦.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١١١٢٠): ص ٩/ ٥٣٦.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١١١٢٣): ص ٩/ ٥٣٦.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١١٢٤): ص ٩/ ٥٣٧.
(٩) تفسير الطبري: ٩/ ٥٣٥.
(١٠) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ١٠٦.
(١١) أخرجه البخاري ص ٤٧٥، كتاب الذبائح والصيد، باب ٢٨: لحوم الحمر الإنسية، حديث رقم ٥٥٢٧؛ ومسلم ص ١٠٢٤، كتاب الصيد والذبائح ... ، باب ٥: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، حديث رقم ٥٠٠٧ [٢٣] ١٩٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>