للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الله سبحانه وتعالى قال هنا: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: ٥٧]، ثم قال تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة}؛ لأن السياق في الأكل؛ ويدخل في تحريم أكل الميتة جميع أجزائها.

٤ - ومن فوائد الآية: تحريم الدم المسفوح؛ لقوله تعالى: {والدم}.

٥ - ومنها: تحريم لحم الخنزير؛ لقوله تعالى: {ولحم الخنزير}؛ وهو شامل لشحمه، وجميع أجزائه؛ لأن اللحم المضاف للحيوان يشمل جميع أجزائه؛ لا يختص به جزء دون جزء؛ اللهم إلا إذا قُرن بغيره، مثل أن يقال: «اللحم، والكبد»، أو «اللحم، والأمعاء»، فيخرج منه ما خصص.

٦ - ومنها: تحريم ما ذكر اسم غير الله عليه؛ لقوله تعالى: {وما أهل به لغير الله}، وهو أنواع:

النوع الأول: أن يهل بها لغير الله فقط، مثل أن يقول: باسم جبريل، أو محمد، أو غيرهما؛ فالذبيحة حرام بنص القرآن - ولو ذبحها لله -.

النوع الثاني: أن يهل بها لله، ولغيره، مثل أن يقول: «باسم الله واسم محمد»؛ فالذبيحة حرام أيضاً؛ لأنه اجتمع مبيح، وحاظر؛ فغلب جانب الحظر.

النوع الثالث: أن يهل بها باسم الله، وينوي به التقرب، والتعظيم لغيره؛ فالذبيحة حرام أيضاً؛ لأنه شرك.

وهل يكون ذبح الذبيحة للضيف إهلالاً بها لغير الله؟

الجواب: إن قصد بها إكرام الضيف فلا يدخل بلا شك، كما لو ذبح الذبيحة لأولاده ليأكلوها، وإن قصد بذلك التقرب إليه، وتعظيمه تعظيم عبادة فإنه شرك، كالمذبوح على النصب تماماً، فلا يحل أكلها؛ وقد كان بعض الناس - والعياذ بالله - إذا قدم رئيسهم أو كبيرهم يذبحون بين يديه القرابين تعظيماً له - لا ليأكلها، ثم تترك للناس -؛ وهذا يكون قد ذبح على النصب؛ فلا يحل أكله - ولو ذكر اسم الله عليه -.

النوع الرابع: أن لا يهل لأحد - أي لم يذكر عليها اسم الله، ولا غيره؛ فالذبيحة حرام أيضاً؛ لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: ١٢١]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا" (١).

٧ - ومنها: تحريم ما ذبح لغير الله - ولو ذكر اسم الله عليه -، مثل أن يقول: «بسم الله والله أكبر؛ اللهم هذا للصنم الفلاني»؛ لأنه أهل به لغير الله.

٨ - ومنها: أن الشرك قد يؤثر الخبثَ في الأعيان - وإن كانت نجاسته معنوية -؛ هذه البهيمة التي أَهل لغير الله بها نجسة خبيثة محرمة؛ والتي ذكر اسم الله عليها طيبة حلال؛ تأمل خطر الشرك، وأنه يتعدى من المعاني إلى المحسوسات؛ وهو جدير بأن يكون كذلك؛ لهذا قال الله عز وجل: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: ٢٨] مع أن بدن المشرك ليس بنجس؛ لكن لقوة خبثه المعنوي، وفساد عقيدته وطويته صار مؤثراً حتى في الأمور المحسوسة.

٩ - ومن فوائد الآية: فضيلة الإخلاص لله.

١٠ - ومنها: أن الضرورة تبيح المحظور؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ ولكن هذه الضرورة تبيح المحرم بشرطين:

الشرط الأول: صدق الضرورة بحيث لا يندفع الضرر إلا بتناول المحرم.

الشرط الثاني: زوال الضرورة به حيث يندفع الضرر.

فإن كان يمكن دفع الضرورة بغيره لم يكن حلالاً، كما لو كان عنده ميتة ومذكاة، فإن الميتة لا تحل حينئذ؛ لأن الضرورة تزول بأكل المذكاة؛ ولو كان عطشان، وعنده كأس من خمر لم يحل له شربها؛ لأن ضرورته لا تزول بذلك؛ إذا لا يزيده شرب الخمر إلا عطشاً؛ ولهذا لو غص بلقمة، وليس عنده ما يدفعها به إلا كأس خمر كان شربها لدفع اللقمة حلالاً.


(١) أخرجه البخاري ص ١٩٧، كتاب الشركة، باب ١٦: من عدل عشرة من الغنم بجزور في القسم، حديث رقم ٢٥٠٧، وأخرجه مسلم ص ١٠٢٩، كتاب الأضاحي، باب ٤: جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائل العظام، حديث رقم ٥٠٩٢ [٢٠] ١٩٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>