للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: ٤]، أي: " وخافوا الله فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه" (١).

قال الطبري: أي: " واتقوا الله، أيها الناس، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلَّمة، أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها، أو تطعَمُوا ما لم يسمَّ الله عليه من الصيد والذبائح مما صادَه أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحِّد الله من خلقه، أو ذبحوه، فإن الله قد حرَّم ذلك عليكم فاجتنبوه" (٢).

قال القرطبي: " أمر بالتقوى على الجملة، والإشارة القريبة هي ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر" (٣).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: ٤]، أي: "فإن الله سريع المجازاة للعباد" (٤).

قال الطبري: " ثم خوَّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره. فقال: اعلموا أن الله سريعٌ حسابه لمن حاسبه على نِعَمه عليه منكم وشكرِ الشاكر منكم ربَّه على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم، فيحيط به، لا يخفى عليه منه شيء، فيجازي المطيعَ منكم بطاعته، والعاصيَ بمعصيته، وقد بيَّن لكم جزاء الفريقين" (٥).

قال السعدي: " حذر من إتيان الحساب في يوم القيامة، وأن ذلك أمر قد دنا واقترب، فقال: {واتقوا الله إن الله سريع الحساب} " (٦).

قال القرطبي: " وسرعة الحساب هي من حيث كونه تعالى قد أحاط بكل شي علما وأحصى كل شي عددا، فلا يحتاج إلى محاولة عد ولا عقد كما يفعله الحساب، ولهذا قال: {وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: ٤٧]، فهو سبحانه يحاسب الخلائق دفعة واحدة. ويحتمل أن يكون وعيدا بيوم القيامة كأنه قال: إن حساب الله لكم سريع إتيانه، إذ يوم القيامة قريب، ويحتمل أن يريد بالحساب المجازاة، فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتقوا الله" (٧).

الفوائد:

١ - مشروعية سؤال من لا يعلم عما ينبغي له أن يعلمه.

٢ - حلية الصيد إن توفرت شروطه، وهي: أن يكون الجارح معلماً وأن يذكر اسم الله تعالى عند إرساله وأن لا يأكل منه الجارح، ويجوز أكل ما صيد برصاص أو بآلة حادة ١ بشرط ذكر اسم الله عند رميه ولو وجد ميتاً فلم يذك.

٣ - قال السعدي: " دلت هذه الآية على أمور:

أحدها: لطف الله بعباده ورحمته لهم، حيث وسع عليهم طرق الحلال، وأباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح، والمراد بالجوارح: الكلاب، والفهود، والصقر، ونحو ذلك، مما يصيد بنابه أو بمخلبه.

الثاني: أنه يشترط أن تكون معلمة، بما يعد في العرف تعليما، بأن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، ولهذا قال: {تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} أي: أمسكن من الصيد لأجلكم.

وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه، ولعله أن يكون أمسكه على نفسه.


(١) التفسير الميسر: ١٠٧.
(٢) تفسير الطبري: ٩/ ٥٧٢.
(٣) تفسير القرطبي: ٦/ ٧٥.
(٤) صفوة التفاسير: ٣٠٢.
(٥) تفسير الطبري: ٩/ ٥٧٢.
(٦) تفسير السعدي: ٢٢١.
(٧) تفسير القرطبي: ٦/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>