للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، علة قولين (١):

أحدهما: ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله، حلال أكل كلِّ ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلَّمة من الصيد الحلال أكله، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه، أدركتْ ذكاته فذُكِّي أو لم تدرَك ذكاته حتى قتلته الجوارح بجرحها إياه أو بغير جَرْح.

وهذا قول الذين قالوا: تعليم الجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلَّم الاستشلاء على الصيد، وطلبه إذا أشْليت عليه، وأخذه، وترك الهرب من صاحبها، دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته

والثاني: ذلك على الخصوص دون العموم. قالوا: ومعناه: فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الجوارح منه بعضًا وأمسكت بعضًا، فالذي أمسكت منه غير جائز أكلُه وقد أكلت بعضه، لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه، على أنفسها لا علينا، والله تعالى ذكره إنما أباح لنا كلَ ما أمسكته جوارحنا المعلمة علينا بقوله: فكلوا مما أمسكن عليكم، دون ما أمسكته على أنفسها.

وهذا قول من قال: تعليم الجوارح الذي يحلُّ به صيدها: أن تَستشلى للصيد إذا أشليت، فتطلبه وتأخذه، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئًا، ولا تفر من صاحبها.

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: ٤]، أي: " واذكروا اسم الله عند إرسالها للصيد" (٢).

قال ابن عباس: " يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل: بسم الله، وإن نسيت فلا حَرَج" (٣).

قال السدي: ": إذا أرسلته فسَمِّ عليه حين ترسله على الصيد" (٤).

قال القرطبي: " قيل: المراد بالتسمية هنا التسمية عند الأكل، وهو الأظهر" (٥).

قال ابن كثير: " وقال بعض الناس: المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَّم رَبِيبه عمر بن أبي سلمة فقال: «سَمّ الله، وكُل بيمينك، وكل مما يليك» (٦)، وفي صحيح البخاري: عن عائشة أنهم قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا - حديث عهدهم بكفر - بلُحْمانٍ لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا؟ فقال: «سَمّوا الله أنتم وكلوا» (٧) " (٨).

وعن عائشة-رضي الله عنها-؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره» (٩).

وفي رواية اخرى عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين، فقال: «أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره» " (١٠).


(١) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٥٦٦ - ٥٦٧.
(٢) التفسير الميسر: ١٠٧.
(٣) أخرجه الطبري (١١٢١٨): ص ٩/ ٥٧١.
(٤) أخرجه الطبري (١١٢١٩): ص ٩/ ٥٧١.
(٥) تفسير القرطبي: ٦/ ٧٤.
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٣٧٦) وصحيح مسلم برقم (٢٠٢٢).
(٧) تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٧.
(٨) صحيح البخاري برقم (٥٥٠٧).
(٩) المسند (٦/ ١٤٣) وسنن ابن ماجه برقم (٣٢٦٤).
(١٠) المسند (٦/ ٢٦٥)، (٦/ ٢٤٦) وسنن أبي داود برقم (٣٧٦٧) وسنن الترمذي برقم (١٨٥٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>