للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: " أى: تعلمونهن من طلب الصيد لكم مما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم وصفات التعليم التي بيَّن حكمها لكم، فأما صفة التعليم، فهو أن يُشلَى إذا أُشلي، ويجيب إذا دعي ويمسك إذا أخذ" (١).

قال ابن كثير: " وهو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه" (٢).

وهل يكون إمساكه عن الأكل شرطاً فى صحة التعليم أم لا؟ على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه شرط في كل الجوارح، فإن أكلت لم تؤكل، وهذا قول ابن عباس (٣)، وعطاء (٤).

والثاني: أنه ليس بشرط فى كل الجوارح ويؤكل وإن أكلت، وهذا قول ابن عمر (٥)، وسعد بن أبي وقاص (٦)، وأبي هريرة (٧)، وسلمان (٨).

والثالث: أنه شرط في جوارح البهائم فلا يؤكل ما أكلت، وليس بشرط في جوارح الطير، فيؤكل وإن أكلت، وهذا قول الشعبي (٩)، وإبراهيم النخعي (١٠)، والسدي (١١)، وحماد (١٢).

والظاهر –والله أعلم- "أن التعليم الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح، إنما هو أن يعلِّم الرجل جارحَه الاستشلاء إذا أُشلي على الصيد وطلبه إياه إذا أغرى، أو إمساكه عليه، إذا أخذه من غير أن يأكل منه شيئًا، وألا يفرّ منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه. فذلك، هو تعليم جميع الجوارح، طيرها وبهائمها. فإن أكل من الصيد جارحةُ صائد فجارحه حينئذ غير معلَّم، فإن أدرك صيده صاحبُه حيًّا فذكّاه، حلَّ له أكله. وإن أدركه ميتًا، لم يحلَّ له أكله، لأنه مما أكله السَّبُع الذي حرمه الله تعالى بقوله: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ}، ولم يدرك ذكاته، [وذلك] لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... عن عدي بن حاتم: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال: «إذا أرسلتَ كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه فلا تأكل منه شيئًا، فإنما أمسكَ على نفسه» (١٣) " (١٤).

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، أي: " فكلوا مما أمسكن لكم من الصيد" (١٥).

قال الطبري: أي: " فكلوا مما أمسكن عليكم، فكلوا، أيها الناس، مما أمسكت عليكم جوارحكم" (١٦).

قال ابن كثير: " فمتى كان الجارحة معلما وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر اسم الله عند إرساله حل الصيد، وإن قتله بالإجماع" (١٧).


(١) النكت والعيون: ٢/ ١٥.
(٢) تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١١١٦٠) - (١١١٦٧): ص ٩/ ٥٥٤ - ٥٥٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١١١٥٩): ص ٩/ ٥٥٤.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١١٢٠٢) - (١١٢٠٦): ص ٩/ ٥٦٣.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١١١٩٥) - (١١١٩٧): ص ٩/ ٥٦١ - ٥٦٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١١١٩٨) - (١١٢٠٠): ص ٩/ ٥٦٢.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١١٨٧) - (١١١٩٤): ص ٩/ ٥٦٠ - ٥٦١.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١١١٧٦)، و (١١١٧٨): ص ٩/ ٥٥٧ - ٥٥٨.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١١١٧٧)، و (١١١٧٩)، و (١١١٨٠): ص ٩/ ٥٥٧ - ٥٥٨.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١١٢١٤): ص ٩/ ٥٦٨.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١١١٨١): ص ٩/ ٥٥٨.
(١٣) أخرجه الطبري (١١٢٠٩): ص ٩/ ٥٦٤.
(١٤) تفسير الطبري: ٩/ ٥٦٤.
(١٥) صفوة التفاسير: ٣٠٢.
(١٦) تفسير الطبري: ٩/ ٥٦٦.
(١٧) تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>