للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم ماء؛ فأنزل الله -تعالى- على رسوله - صلى الله عليه وسلم - رخصة التطهر بالصعيد الطيب. فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط" (١). [ضعيف]

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٦]، أي: "يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله" (٢).

قال ابن عباس: " ما أنزل الله آية في القرآن، يقول فيها: {يا أيها الذين آمنوا}، إلا كان على شريفها وأميرها" (٣).

وعن خيثمة قال: "ما تقرأون في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا}، فإنه في التوراة: يا أيها المساكين" (٤).

كما أن تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادَى؛ ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أن تنفيذ هذا الحكم من مقتضيات الإيمان؛ وعلى أن فواته نقص في الإيمان" (٥).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك [يعني استمع لها]؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه" (٦).

قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦]، أي: " إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وأنتم على غير طهارة" (٧).

وللعلماء في المراد بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] أقوال:

أحدها: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، فاغسلوا، فصار الحدث مُضْمَراً. وفي وجوب الوضوء شرطاً، وهو قول عبد الله بن عباس (٨)، وسعد بن أبي وقاص (٩)، وأبي موسى الأشعري (١٠)، والفقهاء (١١).

والثاني: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة. وهذا قول زيد بن اسلم (١٢)، والسدي (١٣).

قال ابن كثير: "وكلاهما قريب [اي: القول الاول والثاني] " (١٤).

والثالث: أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة، محدثا كان، أو غير محدث، ولا يجوز أن يجمع بوضوء واحد بين فرضين، وهذا مروي عن علي -رضي الله عنه- (١٥)، وعمر (١٦)، وعكرمة (١٧)، وابن سيرين (١٨).

والرابع: أن الآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولكن هو في حق المحدث على سبيل الإيجاب، وفي حق المتطهر على سبيل الندب والاستحباب (١٩).

والخامس: أنه كان واجباً على كل قائمٍ إلى الصلاة، ثم نسخ إلاَّ على المحدث.

روى سليمان بن بريدة عن أبيه: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح، صلى الصلوات كلها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: «عمدا فعلته يا عمر» " (٢٠).

والصواب-والله أعلم- أن الله تعالى فرض غسل ما أمر الله بغسله القائمَ إلى صلاته، بعد حَدَثٍ كان منه ناقضٍ طهارتَه، وقبل إحداث الوضوء منه وأمر ندب لمن كان على طهر قد تقدم منه، ولم يكن منه بعده حدث ينقض طهارته. ولذلك كان عليه السلام يتوضأ لكل صلاة قبل فتح مكة، ثم صلىّ يومئذ الصلوات كلها بوضوء واحد، ليعلّم أمته أن ما كان يفعل عليه السلام من تجديد الطهر لكل صلاة، إنما كان منه أخذا بالفضل، وإيثارا منه لأحب الأمرين إلى الله، ومسارعةً منه إلى ما ندبه إليه ربّه لا على أن ذلك كان عليه فرضًا واجبًا (٢١).

قال الزمخشري: " فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث، فما وجهه؟

قلت: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة، وأن يكون للندب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة" (٢٢).

أخرج الطبري عن محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري نه قال لعبيد الله بن عبد الله بن عمر: "أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، عمَّن هو؟ قال: حدثتنيه أسماء ابنة زيد بن الخطاب: أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، الغسيل حدَّثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بالوضوء عند كل صلاة، فشق ذلك عليه، فأمِر بالسواك، ورفع عنه الوضوء إلا من حدّث. فكان عبد الله يرى أنّ به قوة عليه، فكان يتوضأ" (٢٣).

وعن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد" (٢٤).

وعن ابن عمر أيضا، قال، " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات» " (٢٥).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٦٣، ٢٦٤، ٣٢٠، ٣٢١)، وأبو داود (١/ ٨٦، ٨٧ رقم ٣٢٠)، وابن ماجه (١/ ١٨٧ رقم ٥٦٦ - مختصراً) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمار به.
وأخرجه ابن ماجه (١/ ١٨٧ رقم ٥٦٥) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن عمار، وهو منقطع فيما بين عبيد الله وعمار.
قلنا: والحديث معلّ بالاضطراب؛ كما ذكر الشيخ العلامة الألباني -رحمه الله- في "إرواء الغليل" (١/ ١٨٥، ١٨٦)، وانظر: "ضعيف سنن أبي داود" (٦٧/ ٣١٩).
والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٣/ ٣١) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٢) تفسير المراغي: ١١/ ٤٣، وانظر: صفوة التفاسير: ٢/ ٤٨٧.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٣٥): ص ١/ ١٩٦، و (٥٠٢٥): ص ٣/ ٩٠٢
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٠٢٦): ص ٣/ ٩٠٢.
(٥) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٣٧.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٣٧): ص ١/ ١٩٦، و (٥٠٢٧): ص ٣/ ٩٠٢
(٧) التفسير الميسر: ١٠٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١٣٠٠): ص ١٠/ ٧.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١١٣٠١)، و (١١٣٠٢): ص ١٠/ ٧ - ٨
(١٠) انظرك تفسير الطبري (١١٣٠٤)، و (١١٣٠٥): ص ١٠/ ٨.
(١١) انظر: النكت والعيون: ٢/ ١٨، وزاد المسير: ١/ ٥٢٠.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١١٣١٩)، و (١١٣٢٠): ص ١٠/ ١١ - ١٢.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١١٣٢١): ص ١٠/ ١٢.
(١٤) تفسير ابن كثير: ٣/ ٤٤.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (١١٣٢٢) - (١١٣٢٣)، و (١١٣٢٦)، و (١١٣٢٧): ص ١٠/ ١٢، ١٣ - ١٤.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (١١٣٢٤)، و (١١٣٢٥): ص ١٠/ ١٣.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (١١٣٢٢): ص ١٠/ ١٢.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (١١٣٢٤): ص ١٠/ ١٢.
(١٩) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٤٣.
(٢٠) صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٧ وأبو داود ١٧٢ والترمذي ٦١ والنسائي ١/ ١٦ والدارمي ١/ ١٦٩ وأحمد ٥/ ٣٥٠ - ٣٥١ - ٣٥٨ وأبو عوانة ١/ ٢٣٧ والطحاوي في «المعاني» ١/ ٤١ وابن حبان ١٧٠٦ و ١٧٠٧ و ١٧٠٨ والبيهقي ١/ ١٦٢ من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.
(٢١) انظر: تفسير الطبري: ١٠/ ١٩.
(٢٢) الكشاف: ١/ ٦٠٩.
(٢٣) تفسير الطبري (١١٣٢٨): ١٠/ ١٤.
(٢٤) اخرجه الطبري (١١٣٣٥): ١٠/ ١٨.
(٢٥) أخرجه الطبري (١١٣٣٨): ص ١٠/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>