للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه لايجوز، ولا يجزئ الجنب غيرُ الاغتسال بالماء، وليس له أن يصلي بالتيمم، والتيمم لا يطهره. وهذا مروي عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- (١).وعبدالله بن مسعود (٢)، وإبراهيم النخعي (٣).

وعلى هذا القول: إنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب. وتأولوا قول الله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيل}، قالوا: وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصَلَّى المسلمين إلا مجتازًا فيه حتى يغتسل، ولم يرخِّص له بالتيمم.

قالوا: وتأويل قوله: {أو لامستم النساء}، أو لامستموهن باليد، دون الفرج، ودون الجماع، وومن تأول الملامسة في الآية بالملامسة باليد: ابن مسعود (٤)، وابن عمر (٥)، وعبيدة (٦)، والنخعي (٧)، والشعبي (٨)، وعطاء (٩)، وابن سيرين (١٠)، والحكم (١١)، وحماد (١٢)، وبه قال الشافعي (١٣).

والراجح-والله أعلم- هو قول الجمهور، بأن الجنب ممن أمره الله بالتيمم للصلاة إذا لم يجد الماء، لأن الملامسة، في هذا الموضع: لمس الجماع (١٤)، لا جميع معاني اللمس (١٥)، كما سبق بيان ذلك.

أخرج الطبري عن عروة، عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل، ثم يصلِّي ولا يتوضأ" (١٦).

وفي رواية أخرى: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت (١٧).


(١) انظر: تفسير الطبري (٩٦٧٢): ص ٩/ ٤٢٢ - ٤٢٢.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٩٦٧١): ص ٩/ ٤٢٠ - ٤٢١.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٩٦٧٣): ٩/ ٤٢٢.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٩٦٠٦) - (٩٦١٣): ص ٨/ ٣٩٣.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٧): ص ٨/ ٣٩٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٣)، و (٩٦١٦): ص ٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٩): ص ٨/ ٣٩٥.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٨): ص ٨/ ٣٩٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢١): ص ٨/ ٣٩٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٦): ص ٨/ ٣٩٥.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٠): ص ٨/ ٣٩٥.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٠): ص ٨/ ٣٩٥.
(١٣) انظر: تفسير الغمام الشافعي: ٢/ ٧٠٨. قال الشافعي: " فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها موصولة بالغائط، بعد ذكر الجنابة، فأشبهت الملامسة، أن تكون: اللمس باليد، والقُبْلة غير الجنابة".
(١٤) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٢٢.
(١٥) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٢٢.
(١٦) تفسير الطبري (٩٦٢٩): ص ٨/ ٣٩٦.
(١٧) تفسير الطبري (٩٦٣٠): ص ٨/ ٣٩٦.
قال السيد أحمد محمد شاكر مححقق تفسير الطبري: " الحديثان: ٩٦٣٩ - ٩٦٣٠ - عروة، في هذين الإسنادين: هو عروة بن الزبير، ابن أخت عائشة، على اليقين، خلافًا لمن زعم أنه " عروة المزني "، من اجل كلمة قالها الثوري: " ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني "! فإنه إن لم يحدثه عن عروة بن الزبير، فقد حدث غيره عنه.
والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٢١٠ (حلبي)، عن وكيع - بالإسناد الثاني هنا - وفيه صراحة " عن عروة بن الزبير ". وكذلك جاء التصريح بأنه " عروة بن الزبير "، في رواية ابن ماجه: ٥٠٢، من طريق وكيع. فارتفع كل شك وكل إشكال.
وكلمة الثوري رواها أبو داود في سننه، عقب الحديث: ١٨٠، بصيغة التمريض: " روى عن الثوري ". ثم نقضها هو نفسه، فقال: " وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - حديثًا صحيحًا ".
والحديث رواه أيضًا أبو داود: ١٧٩، والترمذي: ٨٦ (بشرحنا) - كلاهما من طريق وكيع، به. وفيهما " عن عروة " فقط، كما هنا.
وقد أطال العلماء الكلام في تعليل هذا الحديث، وخالفهم آخرون، فأثبتوا صحته " عن عروة بن الزبير ". وهو الصواب. وفصلنا القول فيه في شرحنا للترمذي ١: ١٣٣ - ١٤٢. وأثبتنا صحته، وترجيح القول بأن " الملامسة " في هذه الآية هي الجماع، وأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء. ولم نر حاجة لتكرار ذلك والإطالة به هنا. وانظر السنن الكبرى للبيهقي، ورد ابن التركماني عليه ١: ١٢٣ - ١٢٧، وابن كثير ٢: ٤٦٥ - ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>