للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن المراد: ميثاقه الذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صُلب آدم صلى الله عليه وسلم، وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربكم؟ فقالوا: بلى شهدنا. رواه أبو صالح عن ابن عباس (١)، وبه قال مجاهد (٢)، وابن زيد (٣).

والثالث: أنه الميثاق الذي أخذ من الصحابة على السمع والطاعة في بيعة العقبة، وبيعة الرضوان، ذكره بعض المفسرين (٤).

والرابع: أنه إقرار كل مؤمن بما آمن به. ذكره ابن الجوزي (٥).

والراجح –والله أعلم- هو قول ابن عباس، وأن معناه: "واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم للإسلام وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له في المنشَط والمكرَه، والعُسر واليُسر، وذلك لأن الله جل ثناؤه ذكرَ بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقَه الذي واثقهم به، ميثاقَه الذي واثق به أهل التوراة بعد ما أنزل كتابه على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم فيها، فقال: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}، الآيات بعدها [سور المائدة: ١٢] مُنبِّهًا بذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه ومعرِّفَهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيُحلّ بهم ما أحلَّ بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم" (٦).

وقال الراغب: " الميثاق: العهد المستوثق منه وميثاق الله تعالى: المأخوذ من عباده على أضرب:

الأول: ما أخذه عليهم بالفطرة: وهو ما ركزه فيهم من المعارف.

الثاني: ما أخذه عليهم بما أفادهم من العلوم المكتسبة.

الثالث: ما أخذه عليهم ببعثة الأنبياء وإلزامهم بالشرائع.

الرابع: ما يلزم بعضهم عن بعض بما يجب عليهم

الوفاء به، وقد حمل الآية على كل ذلك" (٧).

قوله تعالى: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: ٧]، أي: " إذ قلتم: سمعنا ما قلت لنا، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه " (٨).

قال الزمخشري: " فقبلوا وقالوا: سمعنا وأطعنا" (٩).

قال الصابوني: أي: "حين بايعتموه على السمع والطاعة" (١٠).

قال الطبري: أي: " وأنعم عليكم أيضا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له: سمعنا وأطعنا، يقول: ففُوا لله، أيها المؤمنون بميثاقه الذي واثقكم به، ونعمته التي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسمع له والطاعة فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، يَفِ لكم بما ضمن لكم الوفاءَ به


(١) انظر: زاد المسير: ١/ ٥٢٤.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١١٥٥٤)، و (١١٥٥٥): ص ١٠/ ٩٢ - ٩٣.
(٣) انظر: زاد المسير: ١/ ٥٢٤.
(٤) انظر: الكشاف: ١/ ٦١٢، وزاد المسير: ١/ ٥٢٤.
(٥) انظر: زاد المسير: ١/ ٥٢٤.
(٦) تفسير الطبري: ١٠/ ٩٣ - ٩٤.
(٧) تفسير الراغب الاصفهاني: ٤/ ٢٩٠.
(٨) تفسير الطبري: ١٠/ ٩٣.
(٩) الكشاف: ١/ ٦١٢.
(١٠) صفوة التفاسير: ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>