للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاسمي: أي كلما: "أطعموا من تلك الجنات" (١).

قال البغوي: "أي: متى ما أطعموا من الجنة ثمرة" (٢).

قوله تعالى: {قَالُوا هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} [البقرة: ٢٦]، "أي هذا مثلُ الطعام الي قُدِّم إلينا قبل هذه المرة" (٣).

قال ابن كثير: " مثل الذي كان بالأمس" (٤).

واختلفوا في قوله تعالى {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: ٢٥] على ثلاثة أقوال (٥):

القول الأول: أن معناه: أن هذا الذي رُزِقْنَاهُ من ثمار الجنة، مثلُ الذي رُزِقْنَاهُ من ثمار الدنيا، وهذا قول ابن مسعود (٦) وابن عباس والسدي، ومجاهد (٧) وقتادة (٨)، وابن زيد (٩)، ورجّحه الطبري (١٠).

وقولهم هذا على وجه التعجب، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها (١١).

وعلى هذا القول، يكون معنى: {مِنْ قَبْلُ}: أي: في الدنيا، وفيه وجهان (١٢):

أحدهما: أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا.

والثاني: هذا الذي رزقنا في الدنيا ; لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك (١٣).

والقول الثاني: أن ثمار الجنة إذا جنيت من أشجارها، استخلف مكانها مثلها، فإذا رأوا ما استخلف بعد الذي جُنِي، اشتُبِه عليهم، فقالوا: {هذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل}، وهو قول أبي عبيدة (١٤)، ويحيى بن أبي كثير (١٥).

وعلى هذا فإن قوله تعالى {من قبل}، يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا: هذا مثل الذي كان بالأمس، لشدة مشابهة بعضه بعضًا، لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول، وكذا قال الربيع بن أنس وقال مجاهد: يقولون: ما أشبهه به! (١٦).

والقول الثالث: وقيل معناه: خيارا لا رذل فيه، كقوله تعالى: {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر: ٢٣]، وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه، لأن فيها خيارا وغير خيار (١٧).

والراجح هو القول الأول، أي: أنهم كلما رزقوا من ثمارها رزقا قالوا: هذا كما رزقنا من قبل في الدنيا؛ وإنما اشتبه عليهم، لأن الله أجرى لهم ما يعرفون شكله، ولكن طعم ثمار الجنة فوق الوصوف حلاوةً. وذلك لكون الكلام لا يستقيم أن يقولوا ذلك عن ثمار الجنة وتشابهها شكلا ولونا مرةً بعد مرةً في أول دخولهم فيها ولم يذوقوا من ثمارها شئ (١٨)، وهكذا وجه الطبري رأيه وهو حسن في باب النظر في وجوه الكلام.


(١) محاسن التأويل: ١/ ٢٢٧.
(٢) تفسير البغوي: ١/ ٧٣.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٣٦.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ٢٠٤.
(٥) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٢٠٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٥١٢): ص ١/ ٣٨٥ - ٣٨٦.
(٧) أنظر: تفسير الطبري (٥٢٤)، و (٥١٥): ص ١/ ٣٨٦.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٥١٣): ص: ١/ ٣٨٦.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٥١٦): ص: ١/ ٣٨٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٨٧ - ٣٨٨.
(١١) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(١٢) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(١٣) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٥١٧): ص: ١/ ٣٨٦.
(١٥) أنظر: تفسير الطبري (٥١٨): ص ١/ ٣٨٧.
(١٦) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٨٦، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(١٧) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٨٦، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(١٨) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٨٧ - ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>