للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله {أزواج}: جمع زوج، والمرأة: زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، قال الأصمعي: ولا تكاد العرب تقول زوجة، وحكى الفراء أنه يقال: زوجة (١)، ولم يسمع في فصيح الكلام، ولذلك عدّه بعض أهل اللغة لحناً، وكان الأصمعي ينكره أشد الإنكار، وكان يحتج بقوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: ٣٧]، فقيل له: أنها وردت في شعر ذي الرمّة (٢):

أذو زوجة بالمصِر أمْ ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقال: إنّ ذا الرّمة طالما أكل المالح والبقْل في حوانيت البقّالين (٣)، يريد أنّه مولّد (٤)، والصحيح أن الصيغتين كليهما فصيحة، وقد رواها ابن السكيت (٥).

وأنشد الفرزدق (٦):

وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها

وشاع ذلك في كلام الفقهاء، قصدوا به التفرقة بين الرجل والمرأة عند ذكر الأحكام، وهي تفرقة حسنة.

وقال عمار بن ياسر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا" (٧).

واختلف في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: ٢٥] على أقوال (٨):

أحدها: مطهرة من القذر والأذى، وهو قول ابن عباس (٩).

والثاني: وقيل: من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد، وهو قول مجاهد (١٠)، وروي نحوه عن عطاء (١١).

والثالث: وقيل: مطهرة من الأذى والمأثم، وهو قول قتادة (١٢).

والرباع: وقيل: مطهرة من الحيض. وهو قول عبدالرحمن بن زيد (١٣)، والحسن (١٤).

والقول الراجح: أن قوله تعالى {مُطَهَّرَةٌ}، يشمل طهارة الظاهر وطهارة الباطن، أي: "أنهن طُهِّرن من كل أذًى وقَذًى وريبةٍ، مما يكون في نساء أهل الدنيا، من الحيض والنفاس والغائط والبول والمخاط والبُصاق والمنيّ، وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والمكاره" (١٥).


(١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٨٦، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٤٠.
(٢) ديوانه: ١٠٢.
(٣) ينظر: المزهر، السيوطي: ١/ ١٤.
(٤) تفسير ابن عاشور: ٣/ ٣١٤.
(٥) ينظر: النقد اللغوي بين التحررر والجمود، د. نعمة رحيم العزاوي: ٣٤. وقيل بأن ابن منظور رمىى الأصمعي بالتشدد (ينظر: لسان العرب مادة (زوج).
(٦) ديوانه: ٢/ ٦١. وفي اللسان (زوع): «يستبيلها»، أي: يطلب بولها. وفيه (بول): «يفسد» بدل «يحرش» و «تستبيلها» أيضاً.
(٧) صحيح البخاري- الفتن - الفتنة التي تموج كموج البحر - رقم الحديث: (٦٥٧١). وفي هذا الحديث فائدة عظيمة وكنز ثمين لمن أراد ذلك فعمار ابن ياسر وعلى الرغم من أنه كان في جيش علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ولم يكن في هذا مع السيدة عائشة رضي الله عنها فلم يمنعه ذلك من أن يقول أنها زوجة رسول الله في الدنيا والاخرة وهذه والله وحدها تكفينا من هذا الحديث. أما قوله "ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه، " فهو خرج مع أمير المؤمنين مجتهداً في ذلك ويرى أنه على صواب والسيدة عائشة رضوان الله عليها ايضاً خرجت تطلب دم عثمان وايضاً اجتهدت في ذلك وترى أنها على صواب ونحن هنا لانقول أن الحق مع عائشة رضي الله عنها أو مع أمير المؤمنين كرم الله وجهه ولكن نقول كما قال أهل السنة والجماعة: ماحدث بين الصحابة عنه نسكت وأجر الاجتهاد لهم نثبت. وهؤلاء قوم عصم الله عنا دماءهم أفلا نعصم السنتنا عنهم.
(٨) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٢٠٥.
(٩) أنظر: تفسير الطبري (٥٣٨)، و (٥٣٩): ص ١/ ٣٩٥.
(١٠) أنظر: تفسير الطبري (٥٤٠)، و (٥٤١)، و (٥٤٢)، و (٥٤٣)، و (٥٤٤)، و (٥٤٩): ص ١/ ٣٩٥ - ٣٩٦.
(١١) أنظر: تفسير الطبري (٥٥٣): ص ١/ ٣٩٧.
(١٢) أنظر: تفسير الطبري (٥٤٦)، و (٥٤٧)، و (٥٤٨): ص ١/ ٣٩٦.
(١٣) أنظر: تفسير الطبري (٥٥٠): ص ١/ ٣٩٦.
(١٤) أنظر: تفسير الطبري (٥٥١، و (٥٥٢)): ص ١/ ٣٩٧.
(١٥) تفسير الطبري: ١/ ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>