للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَلأَكًا ... إِنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي

وقد ينشد: مألَكًا، على اللغة الأخرى. فمن قال: ملأكًا فهو مَفْعل، من لأك إليه يَلأك إذا أرسل إليه رسالة مَلأكة؛ ومن قال: مَألَكًا فهو مَفْعَل من ألكت إليه آلك: إذا أرسلت إليه مألَكة وألُوكًا، كما قال لبيد بن ربيعة (١):

وَغُلامٍ أَرْسَلَتْه أُمُّه ... بأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ

فهذا من " ألكت "، ومنه قول نابغة بني ذبيان (٢):

أَلِكْنِي يَا عُيَيْنَ إِلَيْكَ قَوْلا ... سَأَهْدِيه، إِلَيْكَ إِلَيْكَ عَنِّي

وقال عبدُ بني الحَسْحَاس (٣):

أَلِكْنِي إِلَيْهَا عَمْرَكَ اللَّهُ يَا فَتًى ... بِآيَةِ ما جاءتْ إِلَيْنَا تَهَادِيَا

يعني بذلك: أبلغها رسالتي. فسميت الملائكةُ ملائكةً بالرسالة، لأنها رُسُل الله بينه وبين أنبيائه، ومن أرسلت إليه من عباده (٤).

قال الماوردي: " والملائكة أفضل الحيوان وأعقل الخلق، إلا أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، ولا يتناسلون، وهم رسل الله، لا يعصونه في صغير ولا كبير، ولهم أجسام لطيفة لا يُرَوْنَ إلا إذا قوَّى الله أبصارنا على رؤيتهم" (٥).

قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠]، "أي: خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها" (٦).

قال السدي: "فاستشار الملائكة في خلق آدم" (٧). وكذا روي عن قتادة (٨).

روي عن محمد بن إسحاق: "قوله {إني جاعل في الأرض خليفة}، يقول: ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلقا، ليس منكم" (٩).

وروي "عن ابن سابط، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: دحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة فقال: {إني جاعل في الأرض خليفة}، يعني مكة" (١٠).

وروي "عن ابن عباس قال: أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يسكنها إياه، ثم قرأ: {إني جاعل في الأرض خليفة} " (١١).

قال ابن عطية: " وإن قال قائل ما الحكمة في قول الله تعالى للملائكة {إِنِّي جاعِلٌ} الآية، قيل: هذا منه امتحان لهم واختبار ليقع منهم ما وقع ويؤدبهم تعالى من تعليم آدم وتكريمه بما أدب" (١٢).


(١) ديوانه القصيدة رقم: ٣٧، البيت: ١٦، وقوله " وغلام " مجرور بواو " رب ". أرسلت الغلام أمه تلتمس من معروف لبيد، فأعطاها ما سألت.
(٢) ديوانه: ٨٥، وانظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٤٦.
(٣) الشعر لسحيم عبد بني الحسحاس، ديوانه: ١٩، ألكنى إليها: أبلغها رسالة مني، والرسالة: الألوك والمألكة. وتهادى في مشيه: تمايل دلالا أو ضعفًا.
(٤) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٤٤ - ٤٤٧. (بتصرف بسيط).
(٥) النكت والعيون: ١/ ٩٤.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٤١.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٣١٤): ص ١/ ٧٦.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١/ ٧٦.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٣١٦): ص ١/ ٧٦، والطبري (٦٠٠): ص ١/ ٤٤٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣١٧): ص ١/ ٧٦، والطبري (٥٩٩): ص ١/ ٤٤٨.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣١٩): ص ١/ ٧٦، وهو جزء من الخبر (٣٢٢): ص ١/ ٧٧، وأخرجه الحاكم: ٢/ ٣٦١، قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح.
(١٢) المحرر الوجيز: ١/ ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>