للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزجاج: " معناه: ويكفرون بما بعده، أي بما بعد الذي أنزل عليهم" (١).

قال القاسمي: " أي قالوا ما قالوا وهم يكفرون بما بعده" (٢).

قال المراغي: " أي وهم يكفرون بما سوى التوراة وهو القرآن" (٣).

وتفسير (وراءه)، في هذا الموضع (سوى)، كما يقال للرجل المتكلم بالحسن: (ما وراء هذا الكلام شيء)، يراد به: ليس عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام، فكذلك معنى قوله: {ويكفرون بما وراءه}، أي بما سوى التوراة، وبما بعدها من كتب الله التي أنزلها إلى رسله (٤).

قال ابن منظور: " الوراء جميعا يكون خلف وقدّام" (٥)، ، وعند ابن دريد: الوراء: الخلف، والوراء: القدّام، وهو من الأضداد" (٦)، وقال أبو سعيد الأصمعي: "ووراء خلف ووراء قدّام، قال جلّ ثناؤه: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩]، وكان وراءهم أي: قدّامهم، وقال الشاعر (٧):

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا

فقوله ورائيا، أي: قدّامي (٨).

وقال الجوهري: " وراء بمعنى خلف، وقد تكون بمعنى قدام. وهي من الأضداد" (٩)، قال الله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} أي أمامهم، وتصغيرها وريئه "بالهاء" وهي شاذة. وانتصب "وراءه" على الظرف. قال الأخفش: يقال لقيته من وراء، فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسما وهو غير متمكن، كقولك: من قبل ومن بعد، وأنشد (١٠):

إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء

قلت-الإمام القرطبي-: ومنه قول إبراهيم عليه السلام في حديث الشفاعة: " إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ" (١١)، والوراء: ولد الولد أيضا (١٢).


(١) معاني القرآن: ١/ ١٧٤.
(٢) محاسن التأويل: ١/ ٣٥١.
(٣) تفسير المراغي: ١/ ١٧٠.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٤٨.
(٥) اللسان: ٦/ ٩٠٦.
(٦) جمهرة اللغة، ١/ ٢٣٦، وانظر: مجمل اللغة: ٣/ ٨٠، ٩٣٢.
(٧) البيت لسوار بن المضرب السعدي، انظر: خزانة الأدب: ٢/ ٤٦١. وقيل انه لفرزدق انشده حين هرب من الحجاج (معجم البلدان: ٢/ ٤٤٨):
ترجو بنو مروان سمعي وطاعتي، ... وخلفي تميم والفلاة أماميا؟
(٨) أضداد الأصمعي: ٢٠.
(٩) مختار الصحاح: (ورى).
(١٠) [البيت لعتيّ بن مالك العقيلي، انظر: الخزانة/ ٦/ ٥٠٤، الهمع: ١/ ٢١٠، ومعاني القران للفراء: ٢/ ٣٢٠، وشذور الذهب، واللسان (وري).
(١١) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها: (١٩٥)، قال الإمام مسلم: " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗١٨٧⦘: " يَجْمَعُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ "، قَالَ: " فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ " قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا "، قَالَ: «وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ» وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا".
(١٢) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>