للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء السابقون من المتنبئين الكذبة كما جاء في مواضع من التوراة والأناجيل، والمراد بـ {ِمَا بَيْنَ يَدَيْه}: ما سبقه، وهو كناية عن السبق لأن السابق يجيء قبل المسبوق ولما كان كناية عن السبق لم يناف طول المدة بين الكتب السابقة والقرآن ولأن اتصال العمل بها بين أممها إلى مجيء القرآن فجعل سبقهما مستمراً إلى وقت مجيء القرآن فكان سبقهما متصلاً" (١).

وقوله تعالى: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة ٩٧]، " أي وفيه الهداية الكاملة، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم" (٢).

قال المراغي: " أي أنزله الله هاديا من الضلالات والبدع التي طرأت على الأديان، وبشرى لمن آمن به" (٣).

قال السعدي: أي" وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي، لمن آمن به" (٤).

قال الآلوسي: "وخص المؤمنين- بالذكر لأنه على غيرهم عمى" (٥).

قال قتادة: " جعل الله هذا القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين، لأن المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الذي، وعد وكان على يقين من ذلك" (٦).

فالهدى: "دليل وبرهان، والبشرى فإنها البشارة" (٧)، والمراد به أن القرآن مشتمل على أمرين (٨):

الأول: بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح وهو من هذا الوجه هدى.

والثاني: بيان أن الآتي بتلك الأعمال كيف يكون ثوابه وهو من هذا الوجه بشرى، ولما كان الأول مقدما على الثاني في الوجود لا جرم قدم الله لفظ الهدى على لفظ البشرى.

وقال الرازي: "فإن قيل: ولم خص كونه هدى وبشرى بالمؤمنين مع أنه كذلك بالنسبة إلى الكل؟ الجواب من وجهين:

الأول: أنه تعالى إنما خصهم بذلك، لأنهم هم الذين اهتدوا بالكتاب فهو كقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢].

والثاني: أنه لا يكون بشرى إلا للمؤمنين، وذلك لأن البشرى عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم وهذا لا يحصل إلا في حق المؤمنين، فلهذا خصهم الله به" (٩).

وبذلك فقد حصل من الأوصاف الخمسة للقرآن وهي أنه منزل من عند الله بإذن الله، وأنه منزل على قلب الرسول، وأنه مصدق لما سبقه من الكتب، وأنه هاد أبلغ هدى، وأنه بشرى للمؤمنين، الثناء على القرآن بكرم الأصل وكرم المقر وكرم الفئة ومفيض الخير على أتباعه الأخيار خيراً عاجلاً وواعد لهم بعاقبة الخير، وهذه خصال الرجل الكريم محتده وبيته وقومه، السخي بالبذل الواعد به وهي خصال نظر إليها بيت زياد الأعجم (١٠):

إنَّ المساحةَ والمروءةَ والنَّدى ... في قبة ضُربت على ابن الحَشْرج (١١)

الفوائد:


(١) تفسير ابن عاشور: ١/ ٦٢٢.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(٣) تفسير المراغي: ١/ ١٧٦.
(٤) تفسير السعدي: ٦٠.
(٥) روح المعاني: ١/ ٣٣٣.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٥٩): ص ١/ ١٨١، والطبري (١٦٣٣): ص ٢/ ٣٩٣.
(٧) تفسير الطبري: ٢/ ٣٩٣.
(٨) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.
(٩) مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.
(١٠) البيت لزياد الأعجم قاله في مدح ابن الحشرج: انظر: الأغاني (١٥): (٣٨٦).
(١١) انظر: تفسير ابن عاشور: ١/ ٦٢٢ - ٦٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>