للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم وموافقا له، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم، ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له، كقولك: إن عاداك فلان فقد أذيته وأسأت إليه" (١).

وقد تعددت عبارات المفسرين في معنى قوله تعالى {بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٩٧]، على وجوه:

أحدها: بعلم الله. قاله الرازي، واحتج على ذلك بوجوه (٢):

أولها: أن الإذن حقيقة في الأمر مجاز في العلم واللفظ واجب الحمل على حقيقته ما أمكن.

وثانيها: أن إنزاله كان من الواجبات والوجوب مستفاد من الأمر لا من العلم.

وثالثها: أن ذلك الإنزال إذا كان عن أمر لازم كان أوكد في الحجة.

والثاني: أن معناه: بأمر الله. قاله ابن عباس (٣). واختاره في المنتخب (٤)، وأبو حيان (٥).

والثالث: بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة. قاله ابن عطية (٦).

والرابع: بإرادته وعلمه. قاله ابن كثير (٧).

والخامس: باختياره. قاله الماوردي (٨).

والسادس: بتيسيره وتسهيله. قاله الزمخشري (٩).

والأقرب هو قول ابن عباس، والمعنى: بأمر الله، ومنه: {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ} [هود: ١٠٥]، {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، وقد صرح بذلك في: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: ٦٤]. والله أعلم.

وقوله تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: ٩٧]، " أي: مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية" (١٠).

قال السعدي: أي: " مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض" (١١).

قال المراغي: " أي هو موافق للكتب التي تقدمته فيما يدعو إليه من توحيد الله والسير على السنن القويم" (١٢).

قال أبو العالية: " يعني من التوراة والإنجيل" (١٣). وروي عن قتادة، والربيع نحوه (١٤).

وقال ابن عباس: " يقول: لما قبله من الكتب التي أنزلها الله، والآيات والرسل الذين بعثهم الله بالآيات نحو موسى وعيسى ونوح وهود وشعيب وصالح، وأشباههم من المرسلين مصدقا يقول: فأنت تلوا عليهم يا محمد وتخبرهم غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا ولم تبعث رسولا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه وصدقه يقول اللهم في ذلك لهم عبرة، وبيان. وعليهم حجة لو كانوا يعقلون" (١٥).

قال ابن عاشور: و"تصديق الرسل السالفين من أول دلائل صدق المصدق لأن الدجاجلة المدعين النبوات يأتون بتكذيب من قبلهم لأن ما جاءوا به من الهدى يخالف ضلالات الدجالين فلا يسعهم تصديقهم ولذا حذر


(١) الكشاف: ١/ ١٧٠.
(٢) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٥٦): ص ١/ ١٨٠.
(٤) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٧٥.
(٥) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٧٥.
(٦) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٨٤.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦.
(٨) نقلا عن البحر المحيط: ١/ ٢٧٥، ولم أجده في النكت والعيون.
(٩) انظر: الكشاف: ١/ ١٦٩ - ١٧٠.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(١١) تفسير السعدي: ٦٠.
(١٢) تفسير المراغي: ١/! ٧٦.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٥٨): ص ١/ ١٨١.
(١٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/! ٨١.
(١٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٥٧): ص ١/ ١٨٠ - ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>