للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترض أبو علي الفارسي على القول الأول، ووصفه بأنه غير مستقيم، وذلك لوجهين (١):

أحدهما: أنه لا يعرف من أسماء الله (أيل).

والثاني: أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا.

والراجح هو القول الأول، وأما وكلام السوسي فإنما يتأتى لو كان: «جبر» و «إيل» عربيتين، ولكنهما عبرانيتان، والاضافة في اللغة العبرانية لا توجب كسر الاسم باعتباره مضافا إليه. والله أعلم.

قوله تعالى: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} [البقرة: ٩٧]، "أي فإِن جبريل الأمين نزّل هذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر الله تعالى" (٢).

قال السعدي: أي" فإن جبريل هو الذي نزل بالقرآن من عند الله، على قلبك، وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك، والله هو الذي أمره، وأرسله بذلك، فهو رسول محض" (٣).

قال المراغي: أي" فإن من أحوال جبريل أنه نزّل القرآن على قلبك، أي فهو عدو لوحى الله الذي يشمل التوراة" (٤).

قال ابن عباس: فأنزل الله إكذابا لهم: قل يا محمد: من كان عدوا لجبريل فإنه يقول: فإن جبريل نزله يقول: نزل القرآن من عندي" (٥).

وقد اختلف في (الهاء) في قوله تعالى {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} [البقرة: ٩٧]، على أقوال (٦):

أحدها: أن الهاء الأولى تعود على جبريل والثانية: على القرآن وإن لم يجر له ذكر، لأنه كالمعلوم، أي إن كانت عداوتهم لأن جبريل ينزل القرآن فإنما ينزله بإذن الله، وهذا كقوله: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ... } [فاطر: ٤٥] يعني على الأرض، وهذا قول ابن عباس (٧) وأبو العالية (٨)، والحسن (٩) والربيع بن أنس (١٠). وهو قول أكثر أهل العلم.

قال صاحب "الكشاف": إضمار ما لم يسبق ذكره فيه فخامة لشأن صاحبه حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته" (١١).

والثاني: أن المعنى: فإن الله نزل جبريل عليه السلام لا أنه نزل نفسه.

قال ابن عطية: " وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف" (١٢).

وقال الرازي: "يرى أكثر الأمة على أنه أنزل القرآن عليه لا على قلبه إلا أنه خص القلب بالذكر لأجل أن الذي نزل به ثبت في قلبه حفظا حتى أداه إلى أمته، فلما كان سبب تمكنه من الأداء ثباته في قلبه حفظا جاز أن يقال: نزله على قلبك وإن كان في الحقيقة نزله عليه لا على قلبه (١٣).

قال الزمخشري: "فإن قلت: كيف استقام قوله: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} جزاء للشرط؟ قلت: فيه وجهان:

أحدهما: إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم.


(١) الحجة: ٢/ ١٦٧ - ١٦٨، ونقله الرازي في مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(٣) تفسير السعدي: ٦٠.
(٤) تفسير المراغي: ١/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٥٣): ص ١/ ١٨٠.
(٦) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٥٥): ص ١/ ١٨٠.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٥٤): ص ١/! ٨٠.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٨٠.
(١٠) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٨٠.
(١١) الكشاف: ١/ ١٦٩.
(١٢) المحرر الوجيز: ١/ ١٨٣.
(١٣) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>