للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم، في أمر النبي صلى الله عليه وسلم. قاله الشعبي (١)، وقتادة (٢)، والسدي (٣).

الثالث: وقال أبو ليلى: " قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة، وهو لنا عدو. قال: فنزلت هذه الآية: {من كان عدوا لجبريل} " (٤). وروي عن عطاء نحو ذلك (٥).

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة: ٩٧]، " أي قل لهم يا محمد من كان عدواً لجبريل" (٦).

قال المراغي: " أي قل لهم أيها النبي حاكيا لهم عن الله: من كان عدوّا لجبريل" (٧).

واختلف في سبب عداوة اليهود لجبريل-عليه السلام- على أقوال:

الأول: أن سبب عداوة اليهود لجبريل أنه أُمِر باستمرار النبوة فنقلها لغيرهم. قاله مقاتل (٨).

والثاني: أن سبب عداوتهم له، لكونه يطلع على أسرارهم. قاله قتادة (٩).

الثالث: لأنه كان ينزل القرآن على محمد عليه السلام (١٠).

والرابع: إن عداوتهم لكونه ينزل بالعذاب (١١).

الخامس: كونه حال دون قتل بخت نصر، الذي خرب مسجدهم وسفك دماءهم، وسبى ذراريهم (١٢) ..

والأقرب أن يكون سبب عداوتهم له، أنه كان ينزل القرآن على محمد -عليه السلام-، لأن قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ... } [البقرة: ٩٧] مشعر بأن هذا التنزيل لا ينبغي أن يكون سببا للعداوة لأنه إنما فعل ذلك بأمر الله فلا ينبغي أن يكون سببا للعداوة. قاله الرازي (١٣).

وأما (جِبْرِيلَ)، و (مِيكَالَ) فإن للعرب فيهما لغات (١٤):

أحدها: أهل الحجاز يقولون (جبريل)، و (ميكال)، بغير همز، بكسر الجيم والراء من (جبريل) وبالتخفيف، وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة.

قال كعب بن مالك (١٥):

ويوم بدر لقيناهم لنا مدد ... فيه لدى النصر ميكال وجبريل

وقال آخر (١٦):

عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا

والثاني: أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون: (جَبرئيل وميكائيل) على مثال (جبرعيل وميكاعيل)، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة، وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة، كما قال جرير بن عطية (١٧):

عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجَبرَئيل وكذبوا ميكالا

والثالث: وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن: (جبريل) بفتح الجيم، وترك الهمز، وهي قراءة غير جائزةٍ القراءةُ بها، لأن " فعليل " في كلام العرب غير موجود، وقد اختار ذلك بعضهم، وزعم أنه اسم أعجمي، كما يقال: " سمويل "، وأنشد في ذلك (١٨):

بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... ما وازنت ريشة من ريش سمويلا

والرابع: وأما بنو أسد فإنها تقول (جِبرين) بالنون.

والخامس: وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في (جبريل) "ألفا " فتقول: (جبراييل وميكاييل).

والسادس: وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ: (جَبْرَئِلّ) بفتح الجيم، والهمز، وترك المد، وتشديد اللام، فأما " جبر " و " ميك "، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى: " عبد "، والآخر بمعنى: " عبيد وأما " إيل " فهو الله (١٩).

قال الثعلبي: " فأجود اللغات (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم، والهمز، لأن الذي يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاحب الصور " جَبْرَئِيل عن يمينه وميكائيل عن يساره (٢٠)، هذا الذي ضبطه أصحاب الحديث" (٢١).

واختلف في معنى (جبريل)، على قولين:

الأول: أن معناه: عبد الله، فـ (جبر) عبد، و (إيل) الله: وميكائيل عبد الله وهو قول ابن عباس (٢٢)، وعبدالله بن الحارث (٢٣)، وعكرمة (٢٤)، وعلي بن حسين (٢٥)، ومجاهد (٢٦)، والضحاك (٢٧)، وجماعة من أهل العلم.

والثاني: أن معناه: خادم ربه. قاله عبدالعزيز بن عمير (٢٨).


(١) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٨): ص ٢/ ٣٨١ - ٣٨٢، و (١٦١٤): ص ٢/ ٣٨٥.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٦١٠)، و_١٦١١)، و (١٦١٢): ص ٢/ ٣٨٢ - ٣٨٣.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٦١٣): ص ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤.
(٤) أخرجه الطبري (١٦١٥): ص ٢/ ٣٨٦.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٦١٦): ص ٢/ ٣٨٦.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٧١،
(٧) تفسير المراغي: ١/ ١٧٥.
(٨) انظر: أسباب النزول للوا حدي-تحقيق: أيمن شعبان-: ٣٣ رقم: ٤٥، ومعالم التنزيل للبغوي: ١/ ١٢٤، ومفاتيح الغيب للرازي: ٣/ ٢١١.
(٩) أخرجه ابن جرير في جامع البيان: ٢/ ٣٨٣ رقم: ١٦١٠ عن قتادة في قصة عمر مع اليهود وفيها فقالوا: "من صاحبكم. فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يُطْلع محمداً على سرنا" وانظر: معالم التنزيل للبغوي: ١/ ١٢٤، ومفاتيح الغيب للرازي: ٣/ ٢١٠ - ٢١١، والبحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٣١٩.
(١٠) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١١.
(١١) انظر: العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٩٨.
(١٢) انظر: العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٩٨.
(١٣) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦١١.
(١٤) انظر: السبعة في القراءات: ١٦٦، وتفسير الطبري: ٢/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
(١٥) البيت في قصيدة وردت في السيرة: ١/ ١٤٧، وفي القرطبي: ٢/ ٣٨، والبحر المحيط: ١/ ٣١٨، وفي اللسان مادة (مكا) ونسبه لحسان بن ثابت.
(١٦) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل. انظر: ديوانه: ٤٥٠، تفسير القرطبي: ٢/ ٣٨، وتفسير البحر المحيط: ١/ ٣١٨.
(١٧) ديوانه: ٤٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨٧، من قصيدته الدامغة في هجاء الأخطل، والضمير إلى تغلب، رهط الأخطل، وقبله:
قبح الإله وجوه تغلب، كلما ... شَبَح الحجيج وكبروا إهلالا
(١٨) الأغاني ١٤: ٩٢، ١٦: ٢٢، واللسان (سمل)، من أبيات أرسلها الربيع إلى النعمان ابن المنذر في خبر طويل، حين قال لبيد في رجزه: مهلا، أبيت اللعن، لا تأكل معه، وزعم أنه أبرص الخبيثة، وذكر من فعله قبيحا كريها، فرحل الربيع عن النعمان، وكان له نديما، وأرسل إليه أبياته:
لئن رحلت جمالي لا إلى سعة ... ما مثلها سعة عرضا ولا طولا
بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... لم يعدلوا ريشة من ريش سمويلا
ترعى الروائم أحرار البقول بها ... لا مثل رعيكم ملحا وغسويلا
فاثبت بأرضك بعدي، واخل متكئا ... مع النطاسي طورا وابن توفيلا
ولخم: هم رهط آل المنذر ملوك الحيرة.
(١٩) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
(٢٠) أخرجه ابن حبان (٢٢١١)، وأحمد (١/ ١٩٩) والبزار (٢٥٧٤ - الكشف)
والطبراني في " المعجم الكبير " (١/ ١٣١ / ١) والنسائي في " الخصائص " رقم:
٢٥)).
(٢١) تفسير الثعلبي: ١/ ١٧٩.
(٢٢) انظر: تفسير الطبري (١٦٢٠): ص ٢/ ٣٩٠.
(٢٣) انظر: تفسير الطبري (١٦٢٣): ص ٢/ ٣٩٠.
(٢٤) انظر: تفسير الطبري (١٦٢٤): ص ٢/ ٣٩٠.
(٢٥) انظر: تفسير الطبري (١٦٢٥): ص ٢/ ٣٩٠.
(٢٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٨٢.
(٢٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٨٢.
(٢٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٦٨): ص ١/ ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>