للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥. ومنها: أن طول العمر لا يفيد المرء شيئاً إذا كان في معصية الله؛ لقوله تعالى: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر}.

٦. ومنها: غَوْرُ فهم السلف حين كرهوا أن يُدْعَى للإنسان بالبقاء؛ فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: "أطال الله بقاءك"؛ لأن طول البقاء قد ينفع، وقد يضر؛ إذاً الطريق السليم أن تقول: "أطال الله بقاءك على طاعة الله"، أو نحو ذلك ..

٧. ومنها: أن الله سبحانه وتعالى محيط بأعمال هؤلاء كغيرهم؛ لقوله تعالى: {والله بصير بما يعملون}؛ والبصر هنا بمعنى العلم؛ ويمكن أن يكون بمعنى الرؤية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" (١)؛ فأثبت لله بصراً؛ لكن تفسيره بالعلم أعم.

القرآن

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)} [البقرة: ٩٧]

التفسير:

قل-أيها الرسول- لليهود حين قالوا: إن جبريل هو عدونا من الملائكة: من كان عدوًا لجبريل فإنه نزَّل القرآن على قلبك بإذن الله تعالى مصدِّقًا لما سبقه من كتب الله، وهاديًا إلى الحق، ومبشرًا للمصدِّقين به بكل خير في الدنيا والآخرة.

قد أجمع أهل العلم بالتفسير على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم (٢)، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك على أقوال (٣):

أحدها: أن سبب قيلهم ذلك، كا من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته. قاله ابن عباس (٤)، وشهر بن حوشب الأشعري (٥)، والقاسم بن أبي بزة (٦).

قال ابن عباس: " أقبلت اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة؟ فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك من عند

ربه - عز وجل - بالرسالة بالوحي فمن صاحبك؟ قال: "جبريل" قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك، فأنزل الله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} إلى قوله: {فإن الله عدو للكافرين} " (٧).


(١) أخرجه مسلم ص ٧٠٩، كتاب الإيمان، باب ٧٩: في قوله عليه السلام: "إن الله لا ينام" ... ، حديث رقم ٤٤٢ [٢٩٣] ١٧٩.
(٢) قال الإمام الرازي: " من الناس من استبعد أن يقول قوم من اليهود: إن جبريل عدوهم قالوا: لأنا نرى اليهود في زماننا هذا مطبقين على إنكار ذلك مصرين على أن أحدا من سلفهم لم يقل بذلك، واعلم أن هذا باطل لأن حكاية الله أصدق، ولأن جهلهم كان شديدا وهم الذين قالوا؛ {اجعل لنا إلاها كما لهم ءالهة} (الأعراف: ١٣٨) ". (انظر: تفسيره: ٢/ ١٧٩).
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: "ومن عجيب تهافت اعتقادهم أنهم يثبتون أنه ملك مرسل من عند الله، ومع ذلك يبغضونه، وهذا أحط درجات الانحطاط في العقل والعقيدة، ولا شك أن اضطراب العقيدة من أكبر مظاهر انحطاط الأمة لأنه ينبئ عن تضافر آرائهم على الخطأ والأوهام" (انظر تفسيره: ١/ ٦٢١.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨. وتفسير القرطبي: ٢/ ٣٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٥): ٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٦): ٢/ ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٧): ٢/ ٣٨٠.
(٧) أسباب النزول للواحدي: ٢٨، والخبر أخرجه الإمام أحمد (الفتح الرباني: ١٨/ ٧٣ - ح: ١١٥) والطبراني في "المعجم الكبير" (١٢/ ٤٥ - ح: ١٢٤٢٩) والنسائي (تفسير ابن كثير: ١/ ١٣٠) من طريق ابن شهاب به. وإسناده حسن بشواهده وهي:
ما أخرجه الطبري في تفسيره (١٦٠٥): ٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨، والإمام أحمد (الفتح الرباني: ١٨/ ٧٤) وعبد بن حميد (المصدر السابق) وأبو داود الطيالسي (منحة المعبود: ٢/ ١١ - ح: ١٩٢٣) وابن أبي حاتم (٩٥٢): ص ١/ ١٧٩، وأبو نعيم (فتح القدير: ١/ ١١٧) والبيهقي (دلائل النبوة: ٦/ ٢٦٦) كلهم من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه وسنده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>