للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: "وهو قول فيه بُعدٌ، فإن حق العماد أن يكون بين شيئين متلازمين، مثل قوله: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: ٣٢]، وقوله: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: ٧٦] ونحو ذلك" (١).

الرابع: وقيل: (ما) عاملة حجازية، و (هو) اسمها، والخبر في {بِمُزَحْزِحِهِ}.

الخامس: وقالت طائفة: (هو) ضمير الأمر والشأن (٢)، وضعّفه القرطبي: " لأن المحفوظ عن النحاة أن يفسر بجملة سالمة من حرف جر" (٣).

وأظهر تلك الأقوال، هو القول الأول، أي: أن الضمير (هو) عائد إلى {أحدهم}، والله أعلم.

قوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ٩٦]، "أي مطّلع على أعمالهم فيجازيهم عليها" (٤).

قال ابن كثير: " أي: خبير بما يعمل عباده من خير وشر، وسيجازي كل عامل بعمله" (٥).

قال السعدي: " تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم" (٦).

قال أبو حيان: "وهذه الجملة تتضمن التهديد والوعيد، وأتى عنا بصفة بصير، وإن كان الله تعالى متنزهاً عن الجارحة، إعلاماً بأن علمه، بجميع الأعمال، علم إحاطة وإدراك للخفيات ... وأتى بصيغة المضارع، وإن كان علمه تعالى محيطاً بأعمالهم السالفة والآتية لتواخي الفواصل" (٧).

قال العلماء: وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور. والبصير في كلام العرب: العالم بالشيء الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال، قال الشاعر (٨):

فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب

قال الخطابي: (البصير) العالم، و (البصير) المبصر، وقيل: وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى جاعل الأشياء المبصرة ذوات إبصار، أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة والقوة، فالله بصير بعباده، أي جاعل عباده مبصرين (٩).

وقرأ الجمهور {يعملون}، بالياء، على نسق الكلام السابق، وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب {تعلمون}، بالتاء، على سبيل الالتفات والخروج من العيبة إلى الخطاب (١٠).

الفوائد:

١. من فوائد الآية أن اليهود أحرص الناس على حياة ..

٢. ومنها: إبطال قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"، ثم يخرجون منها، ويكونون في الجنة؛ لأن من كان كذلك لا يكره الموت.

٣. ومنها: أن الناس يتفاوتون في الحرص على الحياة؛ لقوله تعالى: {أحرص}؛ و {أحرص} اسم تفضيل.

٤. ومنها: أن المشركين من أحرص الناس على الحياة، وأنهم يكرهون الموت؛ لقوله تعالى: {ومن الذين أشركوا} مما يدل على أنهم في القمة في كراهة الموت ما عدا اليهود ..


(١) تفسير القرطبي: ٢/ ٣٥.
(٢) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٨٢.
(٣) تفسير القرطبي: ٢/ ٣٥.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٣٥.
(٦) تفسير السعدي: ٥٩.
(٧) البحر المحيط: ١/ ٢٧١.
(٨) البيت لعلقمة الفحل، انظر: ديوانه: ١٣١.
(٩) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٣٥. وانظر: مقاييس اللغة: ٣/ ٤٠٧.
(١٠) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>