للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى {بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: ٩٦]، يعني: بمبعده ومُنَحِّيه (١)، روي عن ابن عباس (٢)، أبي العالية (٣)، والربيع (٤)، نحو ذلك.

ومن ذلك قول الحطيئة (٥):

وقالوا: تزحزح ما بنا فضل حاجة ... إليك، وما منا لوَهْيِك راقع

يعني بقوله: (تزحزح)، تباعد، يقال منه: زحزحه يزحزحه زحزحة وزحزاحا، وهو عنك متزحزح، أي متباعد.

ويكون لازما ومتعديا، فمن قول الشاعر في المتعدي (٦):

يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت ... وغافر الذنب زحزحني عن النار

وقال آخر في اللازم (٧):

خليلي ما بال الدجى لا يتزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح

وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " (٨).

وقد اختلف النحاة في (هُوَ) على وجوه (٩):

أحدها: أن (هو) عائد إلى {أحدهم}، والتقدير: ما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور. (أن يعمر) فاعل بمزحزح.

الثاني: وقالت جماعة: (هو) ضمير التعمير، والتقدير وما التعمير بمزحزحه، والخبر في المجرور، (أن يعمر) بدل من التعمير على هذا القول.

الثالث: وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: (هو) عماد (١٠).


(١) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧٥، وتفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٨٨، وجامع البيان للطبري: ٢/ ٣٧٦، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ١/ ١٦٣، وقال اليزيدي في غريب القرآن وتفسيره: ٧٧، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٤٨: بمبعده، وانظر: تهذيب اللغة للأزهري: ٣/ ٤١٥، معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ٣/ ٧، لسان العرب لابن منظور: ٣/ ١٨١٦، جامع البيان للطبري: ٢/ ٣٧٥، المحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ٢٩٩، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٢/ ٣٥، مفاتيح الغيب للرازي: ٣/ ٢٠٩، الدر المصون للسمين الحلبي: ١/ ٣١١، أنوار التنزيل للبيضاوي: ١/ ٧١، روح المعاني للألوسي: ١/ ٣٣١، وتفسير غريب القرآ لابن قتيبة: ٥٨، في النكت والعيون: ١/ ١٦٢، وغيرها.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٠): ص ٢/ ٣٥٨.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٦٠١): ص ٢/ ٣٧٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٦٠٢): ص ٢/ ٣٧٦.
(٥) البيت ليس للحطيئة، وإنما هو لقيس بن الحدادية، من قصيدة له نفيسة طويلة رواها أبو الفرج في أغانيه ١٣: ٦. يقول قبل البيت، يذكر مجيئه إلى صاحبته أم مالك.
وما راعنى إلا المنادى: ألا اظعنوا ... وإلا الرواغى غدوة والقعاقع
فجئت كأني مستضيف وسائل ... لأخبرها كل الذي أنا صانع
فقالت: تزحزح! ما بنا كبر حاجة ... إليك، ولا منا لفقرك راقع
فما زلت تحت الستر حتى كأنني ... من الحر ذو طمرين في البحر كارع
(٦) البيت لذي الرمة، انظر: ملحقات ديوانه: ٦٦٧. وفي رواية: يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا ... وغافر الذنب زحزحني عن النار. (انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٣٤).
(٧) ديوان بشار ٢: ١٠٤ وشرح المختار: ١٢ ومنها بيتان في كل من ديوان المعاني ١: ٣٥٠ ونهاية الأرب ١: ١٣٦ وحلبة الكميت: ٣٠٥ وثلاثة في هر الآداب: ٧٤٦ وتشبيهات ابن أبي عون: ٢٠٧. ورسالة الطيف، الورقة: ١٥٢ ب (١١٠).
(٨) رواه النسائي (٢٢١٢) وصححه الألباني، والترمذي في فضائل الجهاد (١٥٤٧)، وابن ماجه في الصيام (١٧٠٨)، وأحمد (٧٩٣٠).
وفي رواية اخرى: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا "، رواه البخاري في الجهاد والسير باب فضل الصوم في سبيل الله (٢٨٤٠)، ومسلم في الصيام (١١٥٣)، والترمذي في الجهاد (١٥٤٨) والنسائي في الصيام (٢٢١٩)، وابن ماجه في الصيام (١٧٠٧)، وأحمد (١٠٨٢٦)، والدارمي في الجهاد (٢٢٩٢) وأخرجه ابن حبان (٣٤١٧) بسند صحيح، والطيالسي (٢١٨٦). وعند النسائي: "بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ عَامًا"، رواه النسائي في الصيام (٢٢١٥).
(٩) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٣٤ - ٣٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>