للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} البقرة: ٩٦]، " أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة" (١).

قال قتادة: " قال: حَبَّبَتْ إليهم الخطيئةُ طولَ العمر" (٢). وروي عن أبي نجيح مثله (٣).

وقال ابن زيد: " يهود، أحرص من هؤلاء على الحياة. وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة" (٤).

وقال ابن عباس: " هو قول أحدهم إذا عطس: " زه هزار سال يقول: عشرة آلاف سنة" (٥).

واختلف في الذين أخبر الله تعالى ذكره أن اليهود أحرص منهم في هذه الآية، وذكروا فيه وجهين (٦):

الأول: أنهم مشركوا العرب، خصوا بذلك لأنهم لا يؤمنون بالبعث، فهم يتمنون طول العمر (٧). وهذا قول ابن عباس (٨).

والثاني: أنهم المجوس، قاله أبو العلية (٩)، والربيع (١٠).

وذلك بين في أدعياتهم للعاطس بلغاتهم بما معناه: (عش ألف سنة)، وقيل أنهم كانوا يقولون لملكهم: "عش ألف نيروز وألف مهرجان" (١١).

والصواب القول الأول، لأن الله جل ثناؤه قد وصف اليهود بأنهم أحرص الناس على الحياة، لعلمهم بما قد أعد لهم في الآخرة على كفرهم بما لا يقر به أهل الشرك، فهم للموت أكره من أهل الشرك الذين لا يؤمنون بالبعث، لأنهم يؤمنون بالبعث، ويعلمون ما لهم هنالك من العذاب. والمشركون لا يصدقون بالبعث ولا العقاب، فاليهود أحرص منهم على الحياة وأكره للموت (١٢).

وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة: ٩٦]، " أي وما طول العمر - مهما عمر - بمبعده ومنجيه من عذاب الله" (١٣).

قال البغوي: " أي طول عمره لا ينقذه" (١٤).

قال ابن زيد: " لو عمر كما عمر إبليس لم ينفعه ذلك، إذ كان كافرا، ولم يزحزحه ذلك عن العذاب" (١٥).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(٢) أخرجه الطبري (١٥٩٣): ص ٢/ ٣٧٢.
(٣) أخرجه الطبري (١٥٩٤): ص ٢/ ٣٧٢.
(٤) أخرجه الطبري (١٥٩٥): ص ٢/ ٣٧٢.
(٥) أخرجه الطبري (١٥٩٦): ص ٢/ ٣٧٢.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١. وتفسير القرطبي: ٢/ ٣٤.
(٧) إن الإيمان بالبعث واجب لا يقبل الله إيمان عبد إلا به وهو جزء من أحداث يوم القيامة الركن السادس من أركان الإيمان، المسمى باليوم الآخر، والمسمى بيوم القيامة، والمسمى بيوم البعث. وقد تعددت وتنوعت أسمائه وأوصافه لتنوع الأحداث التي تكون فيه فهو اليوم الآخر لأن ما قبله سابق وهو الأخير.
وهو يوم القيامة لأن الناس جميعاً يقومون من قبورهم لرب العالمين ويقومون في محشرهم لمجيء الرب سبحانه لفصل القضاء، وهو يوم البعث لأن الناس يبعثون فيه من قبورهم ويخرجون إلى محشرهم. [انظر: الحياة الآخرة، د. غالب عواجي، (١/ ١٣٣].
(٨) أخرجه الطبري (١٥٩٠): ص ٢/ ٣٧١.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١٥٨٧): ص ٢/ ٣٧١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٥٨٨): ص ٢/ ٣٧١.
(١١) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦٠٩. وقد ذكر الإمام الطبري خبرا مجهول الإسناد: "عن ابن عباس في قوله: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة}، قال: هو قول أحدهم إذا عطس: " زه هزار سال "، يقول: عشرة آلاف سنة (انظر: تفسيره (١٥٩٦): ٢/ ٣٧٣). و (زه): عش باللغة الفارسية.
(١٢) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١.
(١٣) صفوة التفاسير: ١/ ٧١.
(١٤) تفسير البغوي: ١/ ١٢٣.
(١٥) أخرجه الطبري (١٦٠٤): ص ٢/ ٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>