للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينادي كل واحد باسمه، ويقول: "يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئاً؛ يا فاطمة بنت رسول الله، لا أغني عنك شيئاً .. " (١)، مع أن العادة أن الإنسان يدافع عن حريمه، وعن نسائه؛ لكن في يوم القيامة ليست هناك مدافعة؛ بل قال الله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: ١٠١]: تزول الأنساب" (٢).

وكثير من الآيات القرآنية تؤكد المعنى السابق أي: في يوم القيامة لا يغني أحد عن أحد، كما قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، وقال: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٧]، وقال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: ٣٣]، فهذه أبلغ المقامات: أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا (٣).

وقد ذكر أهل التفسير في تعالى: {لا تَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: ١٢٣]، وجوها (٤):

أحدها: معناه: لا تُغنِي، كما يقال: البقرة تَجْزِي عن سبعةٍ أي تُغِني، وهو قول السدي (٥)، وسعيد بن جبير (٦) وأبي مالك (٧)، وقال به جماعة من أهل التفسير (٨).

والثاني: معناه لا تقضي، ومنه قولهم: جزى الله فلاناً عني خيراً، أثابه عني وقضاه عني، وهو قول المفضل (٩)، وجماعة من أهل التفسير (١٠).

ويسند هذا القول أن أصل الجزاء في كلام العرب: القضاء والتعويض (١١).

والثالث: وقال بعضهم: {لا تَجْزِي} أي: لا تكفي (١٢).

والرابع: وقيل: لا تُكافِئ (١٣).

والأقرب من حيث اللغة هو القول الثاني، والمعنى في كل متقارب، والمراد: أنه لا يتحمل أحد عن أحد شيئاً. والله أعلم.

وفي قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ١٢٣]، وجوه من القراءة:

أحدها: {لَا تَجْزِي}، قرأ بها الجمهور.

والثاني: {لا تُجزئ}، مضمومة (التّاء) مهموزة (الياء). قرأ بها أبو السماك العدوي، من (أجزأ، يجزي) إذا كفي (١٤)، ومن ذلك قول الشاعر (١٥):


(١) أخرجه البخاري ص ٢٢١، كتاب الوصايا، باب ١١: هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟ حديث رقم ٢٧٥٣؛ وأخرجه مسلم ص ٧١٦، كتاب الإيمان، باب ٨٩: في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين ... )، حديث رقم ٥٠٤ [٣٥١] ٢٠٦.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٧٢.
(٣) تفسير الطبري: ٢/ ٥٧٣.
(٤) أنظر: النكت والعيون: ١/ ١١٦ - ١١٧.
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٨٧٤): ص ٢/ ٢٧.
(٦) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٠٤.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٩٩): ص ١/ ١٠٤.
(٨) منهم: ابن جرير في جامع البيان: ٢/ ٢٧، وابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٢٠٨، والسمرقندي في بحر العلوم: ١/ ١١٦، ومكي بن أبي طالب في المشكل: ٩١، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم: ١/ ١١٤، والغرناطي في التسهيل: ١/ ٨٣، والعجيلي في الفتوحات الإلهية: ١/ ٥٠، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن: ٣٤.
(٩) نقلا عن: النكت والعيون: ١/ ١١٦ - ١١٧.
(١٠) منهم: ابن قتيبة في غريب القرآن: ٤١، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٧٦، والزمخشري في الكشاف: ١/ ٢٧٨ والبغوي في معالم التنزيل: ١/ ٩٠، والبيضاوي في أنوار التنزيل: ١/ ٥٥، والنسفي في تفسيره: ١/ ٤٧، والخازن في لباب التأويل: ١/ ٤٣، والكوكباني في تيسير المنان تفسير القرآن: ٢/ ٩٣٩، والشوكاني في فتح القدير: ١/ ١٢١، والقاسمي في محاسن التأويل: ٢/ ١٢٠، وابن عاشور في التحرير والتنوير: ١/ ٤٨٤.
(١١) أنظر: تفسير الطبري: ٢/ ٢٧، وتهذيب اللغة للأزهري: ١/ ١٤٢ - ١٤٣، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس: ١/ ٤٥٦، والصحاح للجوهري: ٦/ ٢٣٠٢، ولسان العرب لابن منظور: ١/ ٦٢٠، وتاج العروس للزبيدي: ١٩/ ٢٨٤، والمفردات للراغب: ٩٣.
(١٢) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ٢٠٨، معالم التنزيل للبغوي: ١/ ٩٠، وغريب القرآن لابن الملقن: ٥٣، وغيرها.
(١٣) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ٢٠٨، معالم التنزيل للبغوي: ١/ ٩٠، وغريب القرآن لابن الملقن: ٥٣، وغيرها.
(١٤) أنظر: تفسير الثعلبي: ١/ ١٩٠.
(١٥) لم أتعرف على قائله، والبيت من شواهد الثعلبي في تفسيره: ١/ ١٩٠، والسمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>