للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه منصوب بمضمر معطوف على {اذْكُرُوا}، خوطب به بنو إسرائيل ليتأملوا فيما يحكى، عمن ينتمون إلى ملته من إبراهيم وبنيه عليهم السلام، من الأفعال والأقوال، فيقتدوا بهم ويسيروا سيرتهم. أي واذكروا إذ ابتلى أباكم إبراهيم، فأتم ما ابتلاه به. فما لكم أنتم لا تقتدون به فتفعلوا عند الابتلاء فعله، في إيفاء العهد والثبات على الوعد، لأجازيكم على ذلك جزاء المحسنين؟ .

وقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى}، معناه: "وإذا اختبر، يقال منه: ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء، ومنه قول الله عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [سورة النساء: ٦]، يعني به: اختبروهم" (١).

قال الطبري: " وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه، وأمر أمره به. وذلك هو " الكلمات " التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا" (٢).

ثم اختلف أهل التفسير في صفة (الكلمات) التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه على أقوال (٣):

أحدها: أنها شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما (٤).

قال ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم، ابتلاه الله بكلمات، فأتمهن. قال: فكتب الله له البراءة فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [سورة النجم: ٣٧]. قال: عشر منها في (الأحزاب) (٥)، وعشر منها في (براءة) (٦)، وعشر منها في (المؤمنون) (٧)، و (سأل سائل) (٨)، وقال: إن هذا الإسلام ثلاثون سهما" (٩).

الثاني: إنها خصال من سُنَنِ الإسلام، خمس في الرأس.

قال ابن عباس: "ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء" (١٠).

وروي عن قتادة (١١)، وأبي الخلد (١٢)، نحو ذلك.


(١) تفسير الطبري: ٣/ ٧.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٧.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٧، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٠٥ - ٤٠٦.
(٤) السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح. ثم سمى ما يفوز به الفالج سهما، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما. وقوله هنا يدل على أنهم استعملوه في كل جزء من شيء يتجزأ وهو جملة واحدة. فقوله: " سهما " هنا، أي خصلة وشعبة. وسيأتي شاهدها في الأخبار الآتية. (تفسير الطبري: ٣/ ٧).
(٥) وهي في قوله تعالى: {إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ، وَالصَادِقينَ والصَادِقَاتِ، وَالصَابِرِينَ وَالصَابِرَاتِ، وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ، والْمُتَصَدِّقَاتِ، وَالصَائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْحَافِظِينَ فروجَهُم وَالْحافِظَاتِ، وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالْذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغَفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: ٣٥].
(٦) وهي في قوله تعالى: {التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون} [التوبة: ١١٢].
(٧) وهي في قوله تعالى: {قَدْ أفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغُوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذيِنَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِم أوْ مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ، فَمن ابتغى وَرَاءَ ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمُ لأَمَانَاتِهِم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونِ الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} " [المؤمنون: ١ - ١١].
(٨) من قوله تعالى: {إلا المُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: ٢٣]، إلى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِم يُحَافظُون} [المعارج: ٣٤].
(٩) أخرجه الطبري (١٩٠٧): ص ٣/ ٧. كذلك رواه أبو جعفر بهذا الإسناد، في التاريخ ١: ١٤٤. وذكره ابن كثير ١: ٣٠٢، ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم، والحاكم. وذكره السيوطي ١: ١١١ - ١١٢، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وابن مردويه، وابن عساكر. وهذا الإسناد صحيح.
(١٠) أخرجه الطبري (١٩١٠): ص ٢/ ٩، وهذا الإسناد صحيح، وهو في تفسير عبد الرزاق (مخطوطة دار الكتب المصورة)، بهذا الإسناد، وكذلك رواه أبو جعفر في التاريخ ١: ١٤٤، من تفسير عبد الرزاق. بهذا الإسناد، وكذلك رواه الحاكم ٢: ٢٦٦، من طريق ابن طاوس عن أبيه، به. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير ١: ٣٠١. وكذلك ذكره السيوطي ١: ١١١ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه. (تفسير الطبري: ٣/ ٩).
(١١) انظر: تفسير الطبري (١٩١٢): ص ٢/ ٩.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١٩١٣): ص ٢/ ٩ - ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>