للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٢٤، ثلاثة قراءات (١):

إحداها: {عهدي الظالمون}، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة ابن مصرف.

الثانية: {عهدي الظالمين}، مرتجلة الياء، وهي قراءة أبي رجاء والأعمش وحمزة.

والثالثة: {عهدي الظالمين}، بفتح الياء وهي قراءة العامة.

قال الزجاج: " والقراءَة الجيّدة هي على نصب {الظالمين}؛ لأن المصحف. هكذا فيه، وتلك القراءَة جيدة (بالغة) إلا أني لا أقرأ بها، ولا ينبغي أن يُقْرأ بها لأنها خلاف المصحف" (٢).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن الله قد يبتلي بعض العباد بتكليفات خاصة؛ لقوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه) وكما أنه يبتلي بعض العباد بتكليفات خاصة شرعية، فإنه قد يبتليهم بأحكام كونية، مثل: مرض، مصائب في المال، أو في الأهل؛ وما أشبه ذلك.

٢ - ومنها: فضيلة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله تعالى: {ربه} حيث أضاف ربوبيته إلى إبراهيم - وهي ربوبية خاصة -؛ ولقوله تعالى: {فأتمهن}؛ ولقوله تعالى: {إني جاعلك للناس إماماً}.

٣ - ومنها: أن من أتم ما كلفه الله به كان من الأئمة؛ لقوله تعالى: {إني جاعلك للناس إماماً}؛ فإنه لما أتمَّهن جوزي على ذلك بأن جُعل للناس إماماً.

٤ - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو لذريته بالإمامة، والصلاح؛ لقوله تعالى: {قال ومن ذريتي}؛ وإبراهيم طلب أن يكون من ذريته أئمة، وطلب أن يكون من ذريته من يقيم الصلاة: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [إبراهيم: ٤٠].

٥ - ومنها: أن الظالم لا يستحق أن يكون إماماً؛ والمراد: الظلم الأكبر - الذي هو الكفر -؛ لقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}.

٦ - ومنها: أن الظلم ينزل بأهله إلى أسفل سافلين؛ لا يجعلهم في قمة؛ بل ينزلهم إما في الدنيا؛ وإما في الآخرة.

٧ - ومنها: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينازعوا الأمر أهله، على ما تقدم من القول فيه، فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل، لقوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ولهذا خرج ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم، وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج، وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم، فكانت الحرة التي أوقعها بهم مسلم بن عقبة والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشن الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض. والأول مذهب طائفة من المعتزلة، وهو مذهب الخوارج، فاعلمه (٣).

٨ - ومن فوائد الآية: أن كل من كان ظالما لم يكن نبيا ولا خليفة ولا حاكما ولا مفتيا، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام، غير أنه لا يعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد. وما تقدم من أحكامه موافقا للصواب ماض غير منقوض. وقد نص مالك على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم لا تنقض إذا أصابوا بها وجها من الاجتهاد، ولم يخرقوا الإجماع، أو يخالفوا النصوص. وإنما قلنا ذلك لإجماع الصحابة، وذلك أن الخوارج قد خرجوا في أيامهم ولم ينقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم، ولا نقضوا شيئا منها، ولا أعادوا أخذ الزكاة ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا، فدل


(١) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٢٦٩، وتفسير الطبري: ٢/ ٢٤، والمحرر الوجيز: ١/ ٢٠٧.
(٢) معاني القرآن: ١/ ٢٠٥.
(٣) تفسير القرطبي: ٢/ ١٠٨ - ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>