للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} [البقرة: ١٢٥]، أي: " ليكون معقلاً للطائفين حوله والمعتكفين الملازمين له والمصلين فيه" (١).

وقوله تعالى: {لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} [البقرة: ١٢٥]، اختلف في هذه الاوصاف الثلاثة على قولين (٢):

القول الأول: أن تلك الأوصاف الثلاثة على فرق ثلاثة، لأن من حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه، فيجب أن يكون الطائفون غير العاكفين والعاكفون غير الركع السجود لتصح فائدة العطف، وعلى هذا القول يمكن تعريف الأوصاف الثلاثة كالآتي:

أ- (لِلطَّائِفِينَ): فالمراد بـ (الطَّائِفِينَ): كل من يقصد البيت حاجا أو معتمرا فيطوف به فاللام هذه للتعليل أي لأجلهم.

وقد اختلف أهل التفسير في معنى {الطَّائِفِينَ} [البقرة: ١٢٥]، في هذا الموضع على وجهين (٣):

الأول: أنهم الغرباء الذين يأتون البيت الحرام من غَرْبةٍ، أي من أتاه من مكان بعيد. قاله سعيد بن جبير (٤).

الثاني: أنهم الذين يطوفون به، غرباء كانوا أو من أهله. وهذا قول عطاء (٥)، ومقاتل (٦).

والقول الثاني أولى، لأن (الطائف): هو الذي يطوف بالشيء دون غيره، والطارئ من غَرْبةٍ لا يستحق اسم (طائف بالبيت)، إن لم يطف به.

ب- {الْعَاكِفِينَ}: كل من يقيم هناك ويجاور. فالعاكف على الشيء "، هو المقيم عليه، كما قال نابغة بني ذبيان (٧):

عكوفا لدى أبياتهم يثمدونهم ... رمى الله في تلك الأكف الكوانع

قال الطبري: "وإنما قيل للمعتكف (معتكف)، من أجل مقامه في الموضع الذي حبس فيه نفسه لله تعالى" (٨).

قال صاحب الكشاف: (وَالْعَاكِفِينَ) أي " المجاورين الذين عكفوا عنده، أى أقاموا لا يبرحون، أو المعتكفين، ويجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين يعنى القائمين في الصلاة .. لأنّ القيام والركوع والسجود هيآت المصلى" (٩).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٨٣.
(٢) انظر: مفاتيح الغيب: ٤/ ٤٧.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٤٠ - ٤١. ذكر الطبري أخبارا لكل من القولين: عن سعيد بن جبير في قوله: " للطائفين " قال، من أتاه من غربة. وعن عطاء: " للطائفين " قال، إذا كان طائفا بالبيت فهو من " الطائفين".
(٤) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (١٢١١): ص ١/ ٢٢٨.
(٥) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (١٢٠٩): ص ١/ ٢٢٨.
(٦) انظر: تفسير ابن ابي حاتم: ١/ ٢٢٨.
(٧) ديوانه: ٦٣ من أبيات قالها لزرعة بن عامر العامري. حين بعثت بنو عامر إلى حصن بن حذيفة وابنه عيينة بن حصن: أن اقطعوا حلف ما بينكم وبين بني أسد، وألحقوهم ببني كنانة، ونحالفكم ونحن بنو أبيكم. وكان عيينة هم بذلك، فقالت بنو ذبيان: أخرجوا من فيكم من الحلفاء، ونخرج من فينا! فأبوا، فقال النابغة: ليهن بني ذبيان أن بلادهم ... خلت لهم من كل مولى وتابع سوى أسد، يحمونها كل شارق ... بألفي كمي، ذي سلاح، ودارع ثم مدح بني أسد، وذم بني عبس، وتنقص بني سهم ومالك من غطفان وعبد بن سعد بن ذبيان، وهجاهم بهذا البيت الذي استشهد به الطبري، ورواية الديوان " قعودا "، و " يثمدونها "، والضمير للأبيات.
وقوله: " يثمدونهم " أصله من قولهم: " ثمد الماء يثمده ثمدا "، نبث عنه التراب ليخرج. وماء مثمود: كثر عليه الناس حتى فني ونفد إلا أقله. وأخذوا منه: " رجل مثمود "، إذا ألح الناس عليه في السؤال، فأعطى حتى نفد ما عنده. يقول: يظل بنو سعد ومالك لدى أبيات عبد بن سعد يستنزفون أموالهم. يصفهم بالخسة وسقوط الهمة. ومن روى: " يثمدونها " وأعاد الضمير إلى " أبياتهم "، فهو مثله، في أنهم يلازمون بيوتهم ويسترزقونها، يهزأ بهم.
والكوانع جمع كانع: وهو الخاضع الذي تدانى وتصاغر وتقارب بعضه من بعض، كأنه يتقبض من ذلته. يصفهم بالخسة والطمع والسؤال الذليل. وقوله: " رمى الله " يعني أصابها بما يستأصلها، ورواية الديوان: " في تلك الأنوف "، فمعناه: رمى فيها بالجدع، وهو دعاء عليهم، واشمئزاز من حقارتهم. (تفسير الطبري: ٢/ ٤١).
(٨) تفسير الطبري: ٢/ ٤٢.
(٩) تفسير الكشاف: ١/ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>