للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجبنا وقوع الطواف خارج البيت لأن الطواف بالبيت هو أن يطوف بالبيت، ولا يسمى طائفا بالبيت من طاف في جوفه، والله تعالى إنما أمر بالطواف به لا بالطواف فيه، لقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: ٢٩] وأيضا المراد لو كان التوجه إليه للصلاة، لما كان للأمر بتطهير البيت للركع السجود وجه، إذا كان حاضر والبيت والغائبون عنه سواء في الأمر بالتوجه إليه، واحتج مالك بقوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} ومن كان داخل المسجد الحرام لم يكن متوجها إلى المسجد بل إلى جزء من أجزائه. والجواب: أن المتوجه الواحد يستحيل أن يكون متوجها إلى كل المسجد، بل لا بد وأن يكون متوجها إلى جزء من أجزائه ومن كان داخل البيت فهو كذلك فوجب أن يكون داخلا تحت الآية (١).

القرآن

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)} [البقرة: ١٢٦]

التفسير:

واذكر -أيها النبي- حين قال إبراهيم داعيًا: ربِّ اجعل "مكة" بلدًا آمنًا من الخوف، وارزق أهله من أنواع الثمرات، وخُصَّ بهذا الرزق مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر. قال الله: ومن كفر منهم فأرزقه في الدنيا وأُمتعه متاعًا قليلا ثم أُلجئُه مرغمًا إلى عذاب النار. وبئس المرجع والمقام هذا المصير.

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: ١٢٦]، أي"واذكروا إِذ قال إبراهيم" (٢): ربي "اجعل مكة بلدا آمنا" (٣).

قال الحسن: " هذا دعاء، دعا به إبراهيم فاستجاب له دعاءه فجعله بلدا آمنا" (٤).

قال الزمخشري: " أى: اجعل هذا البلد أو هذا المكان ذا أمن" (٥)

قال أبو السعود: " أي اجعل هذا الواديَ من البلادِ الآمنة وكان ذلك أولَ ما قَدِمَ عليه السلام مكةَ" (٦).

قال الآلوسي: " أي اجعل هذا المكان القفر بلدا آمنا، وكان النداء بلفظ (الرب) مضافا لما في ذلك من التلطف بالسؤال والنداء بالوصف الدال على قبول السائل، وإجابة ضراعته" (٧).

قال الطبري: أي: "واذكروا إذ قال إبراهيم: رب اجعل هذا البلد بلدا آمنا من الجبابرة وغيرهم، أن يسلطوا عليه، ومن عقوبة الله أن تناله، كما تنال سائر البلدان، من خسف، وائتفاك، وغرق، وغير ذلك من سخط الله ومثلاته التي تصيب سائر البلاد" (٨).

قال ابن عطية: " دعا إبراهيم عليه السلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد العيش، {واجْعَلْ}: لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء، {وآمِناً}: معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد، وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، ونبتت فيها أنواع الثمرات" (٩).

قال المراغي: " وهذا دعاء منه أن يكون البيت آمنا في نفسه من الجبابرة وغيرهم أن يسلّطوا عليه، ومن عقوبة الله أن تناله كما تنال سائر البلدان من خسف وزلزال وغرق ونحو ذلك مما ينبئ عن سخط الله ومثلاته


(١) انظر: تفسير الرازي: ٤/ ٤٩.
(٢) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٠٧.
(٣) تفسير المراغي: ١/ ٢١٣، و ١٣/ ١٦٠. [بتصرف بسيط].
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٢١٨): ص ١/ ٢٢٩.
(٥) الكشاف: ١/ ١٨٦.
(٦) تفسير أبي السعود: ١/ ١٥٨.
(٧) روح المعاني: ١/ ٣٧٩. [بتصرف بسيط].
(٨) تفسير الطبري: ٢/ ٤٤ - ٤٥.
(٩) المحرر الوجيز: ١/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>