للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الصابوني: " أي قال الله وأرزق من كفر أيضاً كما أرزق المؤمن، أأخلق خلقاً ثم لا أرزقهم؟ أما الكافر فأمتعه في الدنيا متاعاً قليلاً وذلك مدة حياته فيها" (١).

قال أبو حيان: وهذا: " إخبار من الله تعالى بما يكون مآل الكافر إليه من التمتيع القليل والصيرورة إلى النار، وليس هنا قياس الرزق على الإمامة، ولا تعريف الفرق بينهما، كما زعم" (٢).

و(المتاع): " هو كل ما انتفع به، وفسر هنا التمتيع والإمتاع بالإبقاء، أو بتيسير المنافع، ومنه: {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: ١٤]، أي منفعتها التي لا تدوم، أو بالتزويد، ومنه: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]؛ أي: زوّدوهنّ نفقة. و (المتعة): ما يتبلغ به من الزاد، والجمع: (متع)، ومنه: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: ٩٦] " (٣).

واختلف أهل التفسير في قائل هذا القول {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا} [البقرة: ١٢٦]، على وجهين (٤):

أحدهما: أن هذا القول من الله عز وجل لإبراهيم. قاله أبي بن كعب (٥) وابن إسحاق (٦) وعكرمة (٧).

والثاني: أنه قول إبراهيم-عليه السلام- على وجه المسألة منه ربه أن يرزق الكافر أيضا من الثمرات بالبلد الحرام، مثل الذي يرزق به المؤمن ويمتعه بذلك قليلا. وهذا قول ابن عباس (٨)، ومجاهد (٩).

والصواب: ما قاله أبي بن كعب، لقيام الحجة بالنقل المستفيض دراية بتصويب ذلك. وهو اختيار الإمام الطبري (١٠) كذلك (١١).

واختلف في نوع المتاع في قوله تعالى: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا} [البقرة: ١٢٦]، على أقوال (١٢):

أحدها: أنه بالرزق. قاله مجاهد (١٣).

الثاني: أن المراد: فأمتعه بالبقاء في الدنيا.

الثالث: وقيل: فأمتعه قليلا في كفره ما أقام بمكة، حتى أبعث محمدا صلى الله عليه وسلم فيقتله، إن أقام على كفره، أو يجليه عنها.

والصواب هو القول الأول، فيكون تفسير قوله تعالى} فأمتعه قليلا} أي: فأجعل ما أرزقه من ذلك في حياته متاعا يتمتع به إلى وقت مماته.

وأما القولان الأخيران وإن كان وجها يحتمله الكلام، فإن دليل ظاهر الكلام على خلافه. والله تعالى أعلم.

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا} [البقرة: ١٢٦]، على وجهين (١٤):

أحدهما: {فأمتعه} خفيفة من (أمتعت)، قرأ بها ابن عامر وحده.

ووجه قراءته، أنّ (أمتع) لغة، ومنه قول الراعي النميري (١٥):

خليلين من شعبين شتّى تجاورا ... قديماً وكانا بالتفرّق أمتعا


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٨٣.
(٢) البحر المحيط: ١/ ٣٣٤.
(٣) البحر المحيط: ١/ ٣٣٤.
(٤) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ١١٧ - ١١٨. وتفسير الطبري: ٢/ ٥٣ - ٥٤.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢٠٣٣): ص ٢/ ٥٣، وابن أبي حاتم (١٢٢٤): ص ١/ ٢٣٠.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٢٠٣٤): ص ٢/ ٥٣.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٢٢٥): ص ١/ ٢٣٠.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٢٠٣٥): ص ٢/ ٥٣، وابن أبي حاتم (١٢٢٤): ص ١/ ٢٣٠.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٢٠٣٦): ص ٢/ ٥٣.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٥٤.
(١١) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٥٤.
(١٢) تفسير الطبري: ٢/ ٥٥. وتفسير الرازي: ٤/ ٥٢.
(١٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٢٢٦): ص ١/ ٢٣١، وتفسير الطبري (٢٠٣٦): ص ٢/ ٥٤.
(١٤) السبعة في القراءات: ١٧٠، والعجاب: ٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(١٥) ديوانه ١٦٦، واللسان والصحاح والتاج مادة (متع).

<<  <  ج: ص:  >  >>