للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُخالِفُ بالعكس من ذلك، ولا أقول: إنهم يتعمَّدون الكذبَ ويكتمون الحق فهم أعلى قدرًا، وأشدُّ تورعًا من ذلك؛ ولكن رَسَخ في قلوبهم حبُّ مذاهبهم، فأحسَنوا الظنَّ بأهلها، ونفرت أنفسهم من مذاهب غيرهم، فأساؤوا الظن بأهلها، فتسبَّب عن ذلك ما ذكرْنا، ولم يَشعُروا بأن هذا الصَّنيعَ من أشد التعصُّبِ وأقبح الظلم؛ بل ظنُّوا أن ذلك من نُصرة الدين، ورفْعِ مَنار المُحقِّين، ووضْعِ أمْرِ المُبطِلين؛ غفلةً منهم وتقليدًا (١).


(١) ومثل هذا أيضًا ما رأيناه مِنْ بعض مشاهير زماننا في نَقدِه اللاذع القاسي لكل مَنْ خالف اجتهاده ومذهبَه من شيوخ أهل السنة والجماعة المشهود لهم بالعلم والرسوخ والأمانة؛ والمثيرُ للعَجَب أن هذا الشيخ الفاضل وأمثاله كانوا يَدْعون بألسنتهم إلى نبذ التعصب والاعتصامِ بحَبْل الدليل، واتساعِ الصدرِ لتقبُّل الخلاف! بينما تجدُ في كتبه ذلك النقدَ المرفوضَ، والطعون السيئة لمن خالفه في بعض المسائل العلمية التي وَسِعَ السلفَ فيها الخلافُ؛ وقد ترتَّب على أفعاله هو وأمثاله عفا اللَّهُ عنهم ثمراتٌ مريرة؛ أبرزها ثلاثة:
الأولى: هَجرُ كثيرٍ من طلبة العلم الذين يفوقُ جهلُهم علمَهم لأولئك العلماءِ الثقات الذين طَعن فيهم وجرَّحهم بلسانِه وقلمه أكثرَ من مرة؛ مع إساءة الظنِّ بهم، وغمزِهم ولمزهم عند العالِم والجاهل، ونزع ثقةِ الناس تُجاهَهم في شتَّى بقاع الأرض؛ وما هذا إلا لأنهم اعتَقدوا في شيخهم الطاعن العصمةَ في كل ما يقول ويفعل!!.
الثانية: سقوطُ منزلة وجاهِ هذا العالِم الطاعن بالرَّغم مما عنده من علمٍ نافع لدى الكثير من العلماء وطلبةِ العلم؛ مع ما يتبعُه ذلك من تجريحِه والطعن فيه وتحذيرِ الخلق منه ومن أخذ العلم عنه.
الثالثة: فَقْدُ كثيرٍ من طلبة العلم خاصةً المبتدئين الثقةَ في علماء أهل السنة بالكلية؛ قائلين: كيف يَطعنون في بعضهم البعض، وهم أولى الناسِ بالأدب واتساعِ الصدر وحسن الخُلق؟ فيَنتجُ عن هذا أن يُلقوا بقلوبِهم وعقولِهم بين يدي أهل البدع والضلال لما يتَّسِمُون به من حُسنِ خُلُقٍ ظاهر، أو على أحسن الأحوال يَهجُرُ أولئك الطلابُ العلمَ وأهله، ويَسيرون في حياتِهم بعقولِهم وأهوائهم ضالِّين مضلِّين، فضلًا عن طَعنهم في علماء الأمة قاطبةً وتنفير الناس عنهم؛ فيُفسدون في الأرض ولا يُصلحون.
وكلُّ هذه الثمرات وغيرُها كثير لا ينكرهُ إلا مكابرٌ لا يَدري ماذا يدور حوله في الدنيا، والمعصومُ من عصمه اللَّه .

<<  <   >  >>