للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يقعُ ذلك بين أهل المذهبِ الواحد مع اتفاقهم في التقليدِ لإمامٍ واحدٍ، واعتقادِهم بمعتقَدٍ واحد، فإذا تصدَّى أحدُهم لتراجم أهل مذهبه، أطال ذَيلَ الكلام عند ذكر شيوخِه وتلامذته بكل ما يقدرُ عليه، وكذلك يوسِّعُ نطاقَ المَقام عند ترجَمته لمن له عليه أيُّ يدٍ كانت، فإذا تَرجم غيرَ شيوخِه وتلامذتِه وأهلِ مودَّته، طَفَّف لهم تطفيفًا، وأوسعهم ظلمًا وحَيفًا.

وإذا كان هذا مع الاتفاقِ في المذهب والمعتقَد، فما ظنُّك بما يكونُ مع الاختلاف في المذهب، والاتفاقِ في التسمي باسمٍ واحد إما باعتبارِ الاعتقاد، أو باعتبار أمرٍ آخر، كأهل المذاهب الأربعة؟! فإنهم اختلفوا في المذاهب، مع اتفاقهم على أنهم أهلُ السُّنة، واشتراكِ غالبهم في اعتقاد قول الأشعريِّ (١)؛ فإن دائرةَ الأَهْوِيةِ (٢) حينئذٍ تتَّسع، ومحبةَ العصبيةِ تكثُر، كما تراه كثيرًا في تراجِم بعضِهم لبعض، خصوصًا فيما بين الحنابلة ومَن عَداهم من أهل المذاهب الأربعة، وكذلك فيما بين الحنفية ومَن عداهم، ومَن نظر في ذلك


(١) واعتقادُ الأشعريِّ ليس هو الاعتقادَ السلفي الصحيح؛ فضلًا عن اعتقادِ أتباعه لا سيما المتأخرين منهم؛ فإنهم زادوا ضلالاتٍ عقليةً وتقعيداتٍ ما أنزل اللَّهُ بها من سلطان، وحاكَموا بها نصوصَ الوحيين الشريفين، وصرَّحوا تصريحًا بأنه إذا تعارضت أدلةُ الشرع مع قواعدهم العقلية قدَّموا العقل عليها؛ محتجِّين بأن دلالاتِ العقول قطعيةٌ، ودلالاتِ النصوص ظنية!! وقد ترتب على هذا المسلكِ الذميم والفكرِ العقيم ظلمٌ كبيرٌ لنصوص الشرع المعظَّم، وتلاعبٌ وتحريفٌ وبدعٌ شنعاءُ يبرأُ منها الإسلامُ براءةً تامةً؛ وراجع غير مأمور الكتاب العظيم: «موقف ابن تيمية من الأشاعرة»، للعلامة الشيخ عبد الرَّحْمن المحمود وقد طُبع مؤخرًا في دار ابن الجوزي بالدمام؛ لتعلمَ صدقَ ما أقول، واللَّهُ الهادي إلى سواء السبيل. (٢) الأهوية: جمع «هوى».

<<  <   >  >>