للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أدلةِ مسائله.

فإن قلت: إذا كان استمدادُ هذا العلمِ عندهم من الكلام والعربيةِ والأحكام كما صرَّحوا به؛ فليس ذلك دعوى مجردةً؛ فإنهم قد صرَّحوا في «علم الكلام» بأنه لا يُقبل في إثباتِ مسائله إلَّا الأدلةَ القطعية، وصرحوا في الكلام على نَقل اللغة أنها لا تثبُت بالآحاد، وإذا كان ما منه الاستمدادُ مثبَتًا ببراهينَ قطعيةٍ، كان ما استُمدَّ منه مثلَه في ذلك؟.

قلت: هذه دعوى على دعوى، وظلماتٌ بعضُها فوق بعض.

أما «علم الكلام»، فغالبُ مسائله مبنيةٌ على مجرد الدعاوى على العقل التي هي كسَرابٍ بِقِيعةٍ (١)؛ إذا جاءه طالبُ الهدايةِ لم يجد شيئًا وقد قدَّمنا الإشارةَ إلى هذا (٢)، وأما ما كان من مسائله مأخوذًا من الشرع؛ فهي مسائلُ شرعية، ولا فرقَ بين شرعيٍّ وشرعيٍّ من هذه الحَيثية.

وأما «اللغة»، فقد وقع الخلافُ بين أهل العلم: هل يُشترط في إثباتِها أن يكون النقلُ متواترًا أم لا؟ والحقُّ بيدِ مَنْ لم يُثبت هذا الشرط؛ فإنَّ سابِقَ المشتغِلِين بنقل علم اللغةِ ولاحِقَهم قد رأيناهم يُثبتونها لمجردِ وجودِ الحرفِ في بيتٍ من أبياتِ شعرائهم، وكلمةٍ من كلماتِ بُلغائهم، ومن أنكر


(١) السراب: معروف؛ وهو ما يُرى نصفَ النهار عند اشتدادِ الحرِّ؛ كالماء في المفاوز يلتصقُ بالأرض، وسُمي كذلك لأنه يَسْرُبُ أي: يجري كالماء. بِقِيعَةٍ: الباء حرف جر، والقِيعة: هي المكانُ المنخفض من الأرض. وقيل: المكانُ المستوي. ولا يكون فيه نبات، وفيه يكونُ السراب. وقد قيل: «القيعة» و «القاع» واحد، وقيل: بل «القيعة» جمع «قاع». انظر: «تفسير القرطبي» (١٥/ ٢٧٩، ٢٩٨ ط: الرسالة).
* والمقصود من عبارة: «كسراب بقيعة»: أنه وهمٌ لا حقيقة له.
(٢) راجع ص (١٣٨). وسيأتي مزيد كلام للمصنف عن هذا.

<<  <   >  >>