للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما دون الغاية، ولا يقعدْ عن الجِدِّ والاجتهاد المبلِّغَينِ له إلى أعلى ما يُراد وأرفعِ ما يستفاد؛ فإن النفوسَ الأبيَّة والهممَ العليَّة لا تَرضَى بدون الغاية في المطالب الدنيويَّة من جاهٍ، أو مال، أو رئاسة، أو صناعة، أو حرفة؛ حتى قال قائلهم:

فلا تقنعْ بما دونَ النجومْ … إذا غامرتَ في شَرَفٍ مَرُومْ

كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمْ … فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرْ

• وقال آخرُ مشيرًا إلى هذا المعنى:

فكن عبدًا لخالقه مطيعَا … إذا لم تكن مَلِكًا مُطاعًا

كما تَهواه فاتركْها جميعَا … وإن لم تَمْلِكِ الدنيا جميعًا

يُنيلانِ الفتى شَرَفًا رفيعَا … هما شيئانِ مِنْ مُلْكٍ ونُسْكٍ

• وقال آخر:

سُرادقَهُ أو باكيًا لحِمامِ … فإما مكانًا يَضربُ النَّجمُ دونَه

وقد ورد هذا المعنى كثيرًا في النظم والنثر، وهو المطلبُ الذي تَنشط إليه الهممُ الشريفة، وتقبلُه النفوسُ العَلِيَّة.

وإذا كان هذا شأنَهم في الأمور الدنيوية التي هي سريعةُ الزوال، قريبة الاضمحلال (١)؛ فكيف لا يكونُ ذلك (٢) مِنْ مطالِب المتوجِّهين إلى ما هو أشرفُ مطلبًا، وأعلى مكسبًا، وأرفعُ مرادًا، وأجلُّ خطرًا، وأعظمُ قدْرًا، وأعْوَدُ نفعًا، وأتمُّ فائدةً وهي المَطالبُ الدينيةُ، مع كون العلم أعلاها وأَوْلاها


(١) الاضمحلال: الذهاب. (٢) يقصد طلب المعالي.

<<  <   >  >>