للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مترجِمًا لكتاب اللَّه وسنةِ رسول اللَّه ، يدومُ لك الأجر، ويستمرُّ لك النفع، ويعودُ لك الخيرُ وأنت بين أطباقِ الثرى، وفي عِداد الموتى، بعد مِئِينَ من السنين!!.

ولا يحولُ بينك وبين هذا المَطلب الشريف ما تُنازِعُك نفسُك إليه من مطالِب الدنيا التي تروقُها وتودُّ الظفَرَ بها؛ فإنها حاصلةٌ لك على الوجه الذي تُحبُّ والسبيلِ الذي تريد، بعدَ تحصيلِك لِمَا أرشدتُك إليه من الرتبة العليَّة (١)، وتكونُ إذ ذاك مخطوبًا لا خاطبًا، ومطلوبًا لا طالبًا.

وعلى فرض أنها تُكدِي (٢) عليك المطالب، وتُعانِدُ الأسباب، فلستَ تَعدِمُ الكفافَ الذي لابد لك منه؛ فما رأينا عالمًا ولا متعلِّمًا مات جوعًا، ولا أعوَزَه الحالُ حتى انكشفت عورتُه عُرْيًا، أو لم يجد مكانًا يُكِنُّه (٣)، ومنزلًا يَسكنُه، وليس الدنيا إلا هذه الأمور، وما عداها فضلاتٌ مُشغِلةٌ للأحياء مُهلكةٌ للأموات.

وإذا مِتُّ لستُ أَعدِمُ قبرَا … أنا إن عِشتُ لستُ أعدِمُ قوتًا

وعلى العاقل أن يعلمَ أنه لن يصيبَه إلَّا ما كتبه اللَّه له، ولا يعدُوه (٤) ما قدَّره له، وأنه قد فُرغ من أمرِ رزقِه الذي فَرضه اللَّه له؛ فلا القعودُ يَصُدُّه، ولا السعيُ وإتعابُ النفس يوجبُ الوصولَ إلى ما لم يأذن به اللَّه.

وهذا معلومٌ من الشرع، قد تَوافَقت عليه صرائحُ الكتاب والسنة، وتطابقت


(١) في المطبوعات: «العلمية»، ولعل الأصح ما أثبتُّه.
(٢) تُكدى: تشتد وتصعُب.
(٣) يُكنُّه: يستُره.
(٤) يعدُوه: يجاوزه.

<<  <   >  >>