للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه الشرائع، وإذا كان الأمر هكذا، فما أحقَّ هذا النوعَ العاقلَ من الحيوان (١) الذي دارت رَحَى التكليفِ عليه، ونِيطت (٢) أسبابُ الخير والشرِّ به، أن يشتغلَ بطلب ما أَمَره اللَّهُ بطلبه، وتحصيلِ ما خَلَقه اللَّهُ لتحصيله، وهو الامتثالُ لما أمرَه به من طاعته، والانتهاءُ عمَّا نهاه عنه من معاصيه.

وإن أعظمَ ما يريدُه اللَّهُ منه، ويقرِّبُه إليه، ويفوزُ به عنده، أن يُشغِلَ نفسَه ويستغرقَ أوقاتِه في طلب معرفةِ هذه الشريعة التي شَرَعها اللَّه لعباده، ويُنفِقَ ساعاته في تحصيل هذا الأمر الذي جاءت به رسُلُ اللَّه إلى عباده، ونزلت به ملائكتُه؛ فإن جميع ما يريدُه اللَّهُ من عباده عاجلًا وآجلًا وما وعدهم به من خيرٍ وشرٍّ قد صار في هذه الشريعة.

فأكرِمْ برجلٍ تاقت نفسُه عن أن يكون عبدَ بَطْنِه إلى أن يكون عبدَ دينِه (٣)، حتى ينالَه على الوجه الأكمل، ويعرفَه على الوجهِ الذي أراده اللَّهُ منه، ويُرشدَ إليه مِنْ عباده مَنْ أراد له الرشاد، ويَهدي به مَنْ استحق الهداية (٤).

فانظر أعزَّك اللَّهُ كم الفرقُ بين الرجلين! وتأمَّلْ قدْرَ مسافةِ التفاوت بين الأمرين! هذا يستغرقُ جميعَ أوقاته، ويُنفقُ كلَّ ساعاته في تحصيل طعامه وشرابه ومَلبسه وما لابد منه قام أو قعد، سعى أو وقف، وهذا يقابله بسعيٍ غيرِ هذا السعي، وعملٍ غيرِ ذلك العمل، فيُنفقُ ساعاته، ويستغرقُ أوقاتَه في طلب ما جاء عن اللَّه وعن رسوله من التكاليف التي كَلَّف بها عباده، وما أَذِن به من إبلاغه إليهم من أمورِ دنياهم وأُخراهم لينتفعَ


(١) يقصد الإنسان.
(٢) نِيطت: عُلِّقت.
(٣) العبد: الخادم. كما كان يقال عن الرقيق: «عبد».
(٤) وهذا الاستحقاق إنما هو منةٌ محضةٌ من اللَّهِ تعالى.

<<  <   >  >>