للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الصيفِ ضَيَّعْتِ اللبن (١).

فانظر أعزَّك اللَّهُ أيُّ الرجلين أربَحُ صفقةً، وأكثرُ فائدةً، وأعظمُ عائدةً! فقد بُيِّن الصبحُ لذي عينين، وعند الصباح يَحمَدُ القومُ السُّرَى (٢).


(١) هكذا جاء المثل بالخطاب للمؤنث، حتى وإن أريد به المذكر. قال العسكري : «يُضرب مثلًا للرجل يُضيِّعُ الأمر، ثم يريد استدراكه. وأصله: أن عمرو بن عمرو بن عدس تزوَّج بنت عمه دختنوس ابنة لقيط بن زُرارة بعد ما أسن، وكان أكثرَ قومه مالًا، ففركته (أي: كرهته)، فطلقها، فتزوجها فتًى ذو شبابٍ وجَمال من آل زُرارة، ثم غزَتْهم بكرُ بن وائل، فنبَّهَتْ زوجها، وقالت: الغارة، فجعل يقول: الغارة! ويضرط حتى مات! وأغاروا، فأخذوها سَبْيَةً، فأدركهم الحيُّ وعمرو بن عمرو في السرعان، فقتل منهم ثلاثةً واستنقذها، فتزوجت منهم شابًّا مُملِقًا (أي: فقيرًا)، فمرت بها إبلُ عمرٍو كأنها الليل، فقالت لخادمها: قولي له: لِيَسْقِنا من اللبن، فأتته فقال: قولي لها: «الصيف ضيعتِ اللبن»، فضَربت يدَها على كتف زوجها، وقالت: «هذا ومَذْقهُ خير»، فذهبت كلمتاهُما مثلين». «جمهرة الأمثال» (رقم: ١٠٧٨). وأورد القصة مختصرةً الميداني في «مجمع الأمثال»، فقال: «في الصَّيف ضيعتِ اللبن. ويروى: «الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللبن»، والتاءُ من «ضيعتِ» مكسورٌ في كل حال إذا خُوطب به المذكر والمؤنث، والاثنان والجمع؛ لأن المثَلَ في الأصل خوطبت به امرَأة وهي دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زُرارة؛ كانت تحت عمرو بن عُدَاس، وكان شيخًا كبيرًا، فَفَركَتْهُ، فطلقها، ثم تزوجها فتًى جميلُ الوجه، فأجْدَبَتْ فبعثت إلى عمرو تطلب منه حَلُوبةً، فقال عمرو: «في الصيف ضيعتِ اللبن»، فلما رجع الرسُولُ وقال لها ما قال عمرو، ضربَتْ يَدَها على مَنكِب زوجها وقَالت: «هذا ومَذْقُه خيرٌ»، تعني أن هذا الزوج مع عدم اللبن خيرٌ من عمرو. فذهبت كلماتُهما مَثَلًا. فالأول: يُضرب لمن يطلب شيئًا قد فَوَّته على نفسه، والثاني: يضرب لمن قَنِع باليسير إذا لم يجد الخطير. وإنما خَص الصيف لأن سؤالها الطلاقَ كان في الصيف، أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيتَه في الصيف كان مضيعًا لألبانِها عند الحاجة». «مجمع الأمثال» (رقم: ٢٧٢٥).
(٢) قال العسكري: «هو مثلٌ يُضرب لما يُنال بالمشقة ويوصَلُ إليه بالتعب». «جمهرة الأمثال» (١١٨٩)، وقال الميداني: «قال المفضل: إن أولَ مَنْ قال ذلك خالد بن الوليد؛ لمَّا بَعَثَ إليه أبو بكر وهو باليمامة: أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافعٌ الطائي: قد سلكتُها في الجاهلية، وهى خِمسٌ للإبل الواردة، ولا أظنُّك تقدِرُ عليها إلَّا أن تَحمل من الماء. ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبها، وكَعَم أفواهها، ثم سلك المَفَازة، حتى إذا مضى يومانِ وخاف العطَشَ على الناس والخيلِ، وخَشِيَ أن يذهب ما في بطون الإبل نحَرَ الإبلَ، واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع: انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرًا عِظامًا؟ فإن رأيتموها وإلَّا فهو الهلاك. فنظر الناسُ، فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد:
فَوَّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى … للَّهِ دَرُّ رَافِعٍ أنَّى اهْتَدَى
ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى … خِمْسًا إذا سار بِه الجيشُ بَكَى
وَتَنْجَلِي عَنهُمُ غَياباتُ الْكَرَى … عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى
يُضرب للرجل يحتمل المَشَّقةَ رَجاءَ الراحة». «مجمع الأمثال» (رقم: ٢٣٨٢).

<<  <   >  >>