للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها، ولا سيَّما إذا كان ذا مالٍ وجمال؛ ولكنها تنقضي عنه اللذةُ، وتفارقُه هذه الحلاوةُ إذا تكامَل عقلُه، ورَجَح فهمُه، وقَوِيَ فِكرُه؛ فإنه لا يدري عند ذلك ما يَدْهَمُه من المرارات التي منها الندامةُ على ما اقترفه من معاصي اللَّه، ثم الحسرةُ على ما فوَّته من العُمر في غير طائل، ثم الكُربةُ على ما أنفقَه من المالِ في غير حِلَّه، ولم يَفُز منَ الجميع بشيء، ولا ظَفِر من الكل بطائل.

وتزدادُ حسرتُه، وتتعاظمُ كُربتُه إذا قاس نفسَه بنفسِ مَنْ اشتغل بطلب المعالي مِنْ أترابه في مُقتبَلِ شبابه؛ فإنه لا يزال عند موازنةِ ذاته بذاته وصفاتِه بصفاته في حسراتٍ متجددة، وزفَراتٍ متصاعِدة، ولا سيَّما إذا كان بيتُه في العلمِ طويلَ الدعائم، وسَلَفُه من المتأهِّلين لتلك المعالي والمكارم، فإنه حينئذٍ تَذهَبُ عنه سَكرةُ البطالة، وتنقشعُ عنه عَمايةُ الجهالة؛ بكروبٍ طويلةٍ وهُمومٍ ثقيلة، وقد فات ما فات، وحِيل بين العَير والنَّزَوان (١)، وحال الجَريضُ دون القَريض (٢) ..................................................


(١) النَّزَوان: القفز. والمقصود: حيل بينه وبين ما يشتهي.
(٢) الجريض: الغُصة في الحلْق. القريض: الشِّعر.
* قال أبو هلال العسكري : «يُضرب مثلًا للمُعضِلة تَعرِضُ، فتَشغلُ عن غيرها. والمَثَل لعُبيد بن الأبرص، وكان المنذرُ بنُ ماء السماء جَعل لنفسه يومَ بؤسٍ في كلِّ سَنة، فكان يركبُ فيه، فيَقتُل كلَّ مَنْ لَقِيَه، فاستقبله عُبيد بن الأبرص مرةً فيه (أي: في يوم البؤس)، فقال له: ما ترى يا عبيد؟ فقال: «المنايا على الحوايا»؛ فذهبت مثلًا، فقال له: أنشِدْنا من قريضك، فقال: حال الجَريضُ دون القريض». انظر: «جمهرة الأمثال» (رقم: ٥٤٠).
بينما قال الميداني : «يُضرب (مثلًا) للأمر يُقدَرُ عليه أخيرًا حين لا ينفع. وأصلُ المثل: أن رجلًا كان له ابنٌ نَبَغ في الشِّعر، فنهاه أبوه عن ذلك، فجاش به صَدْرُه، ومَرِض حتى أشرف على الهلاك، فأَذِن له أبوه في قول الشعر، فقال هذا القول». «مجمع الأمثال» (رقم: ١٠١٧). وانظر: «الهمة العالية» للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ص (٢٣١ پ ط: دار ابن الجوزي).

<<  <   >  >>